الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        التعريف الرابع:

        إعطاء منفعة شيء مدة وجوده، لازما بقاؤه في ملك معطيه، ولو تقديرا.

        وهذا عليه كثير من المالكية. [ ص: 62 ]

        فقوله: « إعطاء منفعة » قيد أخرج عطية الذات، فإنها إما هبة، أو صدقة.

        قوله: « مدة وجوده » أي: الموقوف، أخرج العارية، لرجوعها إلى المعير، والعمرى، لرجوعها بعد موت المعمر ملكا للمعمر، أو لوارثه.

        قوله: « لازما بقاؤه في ملك معطيه » قيد خرج به العبد المخدم حياته يموت قبل موت ربه; لعدم بقائه في ملك معطيه; لجواز بيعه برضاه مع معطاه.

        وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء، وتقدم في التعريف الأول إشارة إليها.

        قوله: « ولو تقديرا » يحتمل: ولو كان الملك تقديرا، كقوله: إن ملكت دار فلان فهي حبس.

        ويحتمل: ولو كان الإعطاء تقديرا، كقوله: داري حبس على من سيكون.

        ونوقش: أنه عبر بالمنفعة، والوقف تمليك انتفاع لا منفعة، وأنه يفيد تأبيد الوقف، والمالكية يرون صحة الوقف المؤقت، وأنه يفيد عدم صحة الحيوان، والمالكية يرون صحته.

        وتطرق الاحتمال إليه بقوله: « ولو تقديرا » التعريف المختار:

        التعريف الذي أميل إليه من التعاريف السابقة هو قول ابن قدامة - رحمه الله - ومن وافقه بأن الوقف: « تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة ».

        وقد اخترت هذا التعريف للأسباب الآتية: [ ص: 63 ]

        أولا: أن هذا التعريف اقتباس من:

        (1 ) ما رواه النسائي من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن عمر رضي الله عنه ، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: « حبس الأصل وسبل الثمرة ».

        (2 ) وما رواه البخاري ومسلم من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: « إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها » وفي لفظ للبخاري: « تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره ».

        والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح العرب لسانا، وأكملهم بيانا، وأعلمهم بالمقصود من قوله.

        ثانيا: أن هذا التعريف جامع مانع، لكونه قد سلم من الاعتراضات التي اعترض بها على التعريفات الأخرى.

        ثالثا: أن هذا التعريف يؤدي المعنى الحقيقي للوقف بأقصر عبارة تفيد المقصود منه، دون الدخول في تفصيلات جانبية كبقية التعاريف الأخرى.

        رابعا: أن ذكر الأركان والشروط ضمن التعريف يخرجه عن الغرض الذي وضع لأجله. [ ص: 64 ]

        خامسا: أن هذا التعريف هو قدر مشترك يتفق عليه الجميع، ويختلفون فيما عداه من المسائل والضوابط، فكان أولى بالترجيح، ولذا كثر القائلون به من الفقهاء المعاصرين.

        سادسا: سلامة هذا التعريف من الاعتراض; إذ إن من أبرز في التعريف شروطا وضوابط كان تعريفه محل اعتراض من مخالفيه، وأما من اقتصر على الحقيقة فهو سالم من المعارضة.

        سابعا: أن في هذا التعريف إبرازا لمقصد من أهم مقاصد الوقف، وهو الابتداء والدوام، وهذا ظاهر في التحبيس والتسبيل.

        ثامنا: العلاقة الظاهرة في هذا الحد بين التعريف اللغوي والشرعي.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية