الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب السابع: الشرط السابع: أن يكون الموقوف عليه معلوما

        إذا وقف على مبهم كأن يوقف على أحد رجلين ونحو ذلك، فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة هذا الوقف على قولين:

        القول الأول: صحة هذا الوقف.

        وبه قال الصاحبان من الحنفية، وهو مذهب المالكية، وقول الشافعية، ورواية عند الحنابلة.

        قال ابن رشد: « وأما صفة العوض - أي: في الخلع - فإن الشافعي وأبا حنيفة يشترطان فيه أن يكون معلوم الصفة ومعلوم الوجوب، ومالك يجيز فيه المجهول الوجود والقدر والمعدوم مثل الآبق والشارد والثمرة التي لم يبد صلاحها، والعبد غير الموصوف، وحكي عن أبي حنيفة جواز الغرر ومنع المعدوم. [ ص: 459 ]

        وسبب الخلاف تردد العوض هاهنا بين العوض في البيوع، أو الأشياء الموهوبة والموصى بها، فمن شبهها بالبيوع اشترط ما يشترط في البيوع وفي أعراض البيوع، ومن شبهه بالهبات لم يشترط ذلك ».

        وقال القرافي: « وقد فصل مالك بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة، وانقسمت التصرفات عنده ثلاثة أقسام: طرفان وواسطة، فالطرفان أحدهما: معاوضة صرفة، فيجتنب فيها ذلك إلا ما دعت الضرورة إليه عادة، وثانيهما: ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال كالصدقة والهبة، فإن هذه التصرفات إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه؛ لأنه لم يبذل شيئا بخلاف القسم الأول إذا فات بالغرر والجهالة ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه، أما الإحسان الصرف فلا ضرر فيه، فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول، فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعة، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله ، فإذا وهب له بعيره الشارد جاز أن يجده، فيحصل له ما ينتفع به، ولا ضرر عليه إن لم يجده ؛ لأنه لم يبذل شيئا ».

        القول الثاني: أنه لا يصح الوقف على المبهم.

        وهو قول جمهور أهل العلم: الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

        نصوا على ذلك في الوصية، والوقف من باب أولى. [ ص: 460 ]

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1 - ما تقدم من أدلة مشروعية الوقف.

        وهذا يشمل الوقف على المبهم.

        2 - القياس على الوصية، فإذا أوصى لزيد أو عمرو، فإن الوصية صحيحة، فكذا الوقف.

        3 - أن هذا أقرب إلى مقصود الواقع؛ إذ مقصوده البر والقربى، وهذا يتحقق بتصحيح الوقف.

        أدلة القول الثاني: (عدم الصحة) :

        1 - أن الوقف تمليك الموقوف عليه، والمبهم لا يمكن تمليكه؛ لعدم إمكان صرف الموقوف عليه فيبطل الوقف كالبيع.

        ونوقش: بعدم التسليم؛ فإن الإبهام هنا يسير يزال بالقرعة، والقياس على البيع ليس أولى من القياس على الوصية.

        2 - أنه نقل ملك على وجه الصدقة، فلا يصح في غير المعين كالهبة.

        ونوقش: بعدم التسليم؛ فإن الهبة تصح في غير المعين، والمجهول.

        وتصح للمبهم، فالقياس قياس على أصل مختلف فيه.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول؛ لقوة دليله، ولأن الأصل صحة الوقف؛ إذ هو فعل خير فيكثر منه.

        [ ص: 461 ] فرع: واختلف من قال بالصحة في كيفية التعيين على قولين:

        القول الأول: يخير الورثة أن يعطوا الموقوف من شاؤوا.

        وبه قال بعض الحنفية.

        القول الثاني: يعين أحدهما بالقرعة.

        وهو رواية عن الإمام أحمد.

        ويحتمل أن يقال: يقسم بينهما.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية