الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 248 ]

        ثمرة الخلاف:

        أننا إذا قلنا: لا يفتقر إلى القبول لم يبطل بالرد كالعتق، وإن قلنا يفتقر إلى القبول فرده بطل في حقه دون من بعده.

        الأمر الثاني: حكم الوقف إذا لم يقبل الموقوف عليه:

        إذا لم يقبل الموقوف عليه الوقف فاختلف العلماء - رحمهم الله - في ذلك على قولين:

        القول الأول: أن الوقف لا يبطل، وينتقل لمن بعده.

        وهذا قول جمهور أهل العلم: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وبه قال شيخ الإسلام.

        القول الثاني: أن الوقف يبطل برد الموقوف عليه.

        وبه قال بعض المالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة الرأي الأول:

        1 - الأدلة الدالة على عدم جواز الرجوع في الوقف.

        وجه الدلالة: أن هذه الأدلة دالة على نفوذ الوقف، وهذا يقتضي عدم بطلان الوقف برد الموقوف عليه.

        2 - القياس على العتق، فينفذ مع رد المعتق. [ ص: 249 ]

        3 - أن الوقف ليس عقدا فيحتاج إلى إرادتين، بل هو من جنس التصرف عليه.

        4 - ولأن الوقف يتعلق به حق من بعده، فلم يؤثر الرد إلا على الراد نفسه; لئلا يحرم غيره من الوقف بسبب رد الأول، وهذا فيه ظلم لمن بعده من الذين سيسري عليهم الوقف.

        5 - ولأن الوقف صدقة ولا يجوز العود في الصدقة; (47) لما رواه البخاري ومسلم من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: « حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ».

        دليل القول الثاني: (بطلان الوقوف ) :

        1 - أن الملك لا يمكن أن يدخل جبرا في ملك الشخص الذي لا يريده، وسبب البطلان وعدم السريان هو: أن الوقف في الأصل لهذا الأول، ومن بعده فرع عنه أو تابع له، فإذا بطل الأول بطل الثاني تبعا.

        ونوقش: بعدم التسليم، فالبطن الثاني ليس تبعا للأول، بل أصل يتلقى عن الواقف نفسه.

        2 - القياس على الوكيل إذا رد الوكالة. [ ص: 250 ]

        ونوقش: بأن قياس مقابل بمثله، وأيضا وجود الفارق، فالوقوف عقد لازم، والوكالة عقد جائز، فبطلت برد الوكيل.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - عدم بطلان الوقف; لقوة دليله، ولأن الأصل الصحة وعدم البطلان.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية