الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الخامس: ما يصح وقفه

        للعلماء في هذه المسألة مسلكان:

        المسلك الأول: مسلك العد، يعني: أن ما يصح وقفه معدود.

        وبه قال إبراهيم النخعي، حيث قال: لا يصح إلا في السلاح والكراع فقط.

        وبه قال ابن حزم، قال ابن حزم: « الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها، وفي الأرحاء، وفي المصاحف، والدفاتر، ويجوز أيضا في العبيد، والسلاح والخيل في سبيل الله لا في الجهاد فقط لا في غير ذلك، ولا يجوز في شيء غير ما ذكرنا أصلا ».

        وتقدم مناقشة هذا القول في مبحث حكم الوقف.

        المسلك الثاني: مسلك الحد، يعني: أن ما يصح وقفه محدود، ومضبوط بضابط.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        وقد اختلف العلماء في هذا الضابط على قولين:

        القول الأول: أنه كل عين تصح عاريتها: [ ص: 122 ] وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

        القول الثاني: أنه ما صح بيعه، وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه صح وقفه:

        وهو قول جمهور أهل العلم: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        يستدل لهذا القول بما يلي:

        1 - عمومات أدلة الوقف.

        وهذه تشمل بعمومها كل عين تصح عاريتها.

        2 - أن الأصل صحة الوقف، فلا يمنع من بعض صوره إلا بدليل.

        3 - أن من مقاصد الوقف تسبيل المنفعة، أي: إطلاق التصرف فيها من قبل الموقوف عليه، وهذا يتفق مع ما يصح إعارته; لأن العارية إباحة التصرف في المنافع من قبل المعير.

        أدلة القول الثاني: استدل لهذا الرأي بما يلي:

        1 - الأدلة الدالة على اشتراط كون الوقف عينا تبقى بعد استيفاء النفع منها. [ ص: 123 ]

        إذ ما لا تبقى عينه يتلف بالانتفاع به، كالشمع، والدهن، والريحان، فلا يصح وقفه; إذ هو مناف لمقصود الوقف الذي يقصد منه الدوام.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أنه لا يسلم اشتراط التأبيد فيما يصح وقفه، كما سيأتي في مبحث وقف ما يفنى باستيفاء النفع منه.

        الوجه الثاني: أن التأبيد أمر نسبي، فما من شيء إلا ويتلف، فتأبيد كل شيء بحسبه.

        2 - أن الوقف نقل للملك في الحياة فأشبه البيع، فدل على أنه لا يصح إلا في عين يصح بيعها.

        ويناقش من وجهين:

        الأول: أن تشبيهه بالبيع لا يسلم به; إذ البيع معاوضة والوقف تبرع، وثم فرق بين المعارضة والتبرع، فإن التبرع لا يشترط فيه كل ما يشترط للمعاوضة، من العلم، والقدرة على التسليم، ونحو ذلك.

        الثاني: أن نقل الملك في الوقف موضع خلاف، كما سيأتي في مبحث ملكية الوقف، بخلاف نقل الملك في البيع فإنه ينتقل إلى المشتري، وله كامل التصرف فيه.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه شيخ الإسلام; لأن الأصل في الوقف أنه قربة وفعل خير فيكثر منه ويحث عليه، وعلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام تدخل كثير من الصور التي يصح فيها الوقف، من ذلك: [ ص: 124 ]

        1 - وقف الكلب المعلم، والجوارح المعلمة، كما سيأتي في شروط صحة الوقف / شرط كون الوقف مالا شرعيا.

        2 - وقف ما لا يقدر على تسليمه، كما سيأتي في شروط صحة الوقف / شرط كون الموقوف مما يقدر على تسليمه.

        3 - وقف ما لا تبقى عينه باستيفاء النفع منه كالدهن على المسجد ليوقد فيه، والريحان على المسجد، كما سيأتي في شروط صحة الوقف شرط كون الموقوف عينا تبقى بعد استيفاء النفع منها. [ ص: 125 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية