الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: وقت استحقاق الحمل لغلة الوقف:

        تقدم أن الجنين يصح الوقف عليه عند الجمهور إذا كان تبعا لغيره ممن يصح الوقف عليه، لكن متى يستحق الحمل غلة الوقف؟ هل يستحقها قبل الانفصال، بحيث لو خرجت الغلة وهو في بطن أمه يوقف نصيبه، كما في الميراث والوصية؟ أم لا يستحقها إلا بعد الانفصال، بحيث لو خرجت [ ص: 445 ] الغلة وهو في بطن أمه، تقسم بين الموجودين، ولا يستحق الحمل منها شيئا؟

        اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

        القول الأول: أن الجنين يشارك في غلة الوقف قبل الانفصال إذا ولد حية، وتحقق وجوده أثناء خروج الغلة.

        وبه قال الحنفية، وابن عقيل من الحنابلة.

        وحجتهم في ذلك:

        أن الجنين إذا ولد لأقل من ستة أشهر منذ خروج الغلة دل ذلك على أنه كان مخلوقا في بطن أمه وقت خروج الغلة، وإذا كان مخلوقا وقت الخروج فيعتبر بمنزلة ولد قائم، فاستحق الوقف؛ لأنا نتيقن وجوده في البطن عند خروج الغلة، وهذا في الزوجة، أما لو مات الواقف من غير تخلل وقت يمكن فيه الرجوع إلى أهله، فجاءت بولد لسنتين من يوم وقف، أو لأربع سنوات - بناء على اختلافهم في أكثر مدة الحمل - ، استحق من كل غلة خرجت فيما بين ذلك.

        القول الثاني: أن الجنين لا يشارك في غلة الوقف إلا بعد الانفصال حيا.

        وبه قال المالكية، والحنابلة. [ ص: 446 ]

        وحجتهم في ذلك:

        1 - أنه يحتمل أن لا يكون حملا، فلا يثبت له حكم الولد قبل الانفصال.

        ونوقش: بأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه؛ ولهذا ثبت للحامل أحكام تخالف بها الحائل، ولأن ملكية الجنين سواء في الوقف أو غيره معلقة على خروجه حيا، وبذلك يزول هذا الاحتمال.

        2 - أن المقصود من الوقف ثمراته ومنافعه وفوائده، وهي مستحقة على التأبيد لقوم بعد قوم، والحمل ليس من أهل الانتفاع، فلا يستحق منه شيئا مع وجود المنتفعين بها، حتى يولد ويحتاج إلى الانتفاع معهم .

        ونوقش: بأن الحمل من ضمن الموقوف عليهم، وهو في أمس الحاجة لغلة الوقف بعد الولادة إذا كان فقيرا، فحفظ الغلة حتى إذا ولد ينفق عليه منها.

        الترجيح:

        يظهر - والله أعلم - أن القول الأول - وهو أن الجنين يشارك في غلة الوقف وهو في بطن أمه - هو الأرجح، إذا ولد حيا وتحقق وجوده أثناء خروج الغلة؛ وذلك لأن الشارع الحكيم قد راعى في الجنين صفة الاستقلال، فمنحه الميراث، كما صحت له الوصية بالاتفاق، فكذلك غلة الوقف، ولأن الجنين في هذه المرحلة أحوج ما يكون لغلة الوقف، خصوصا إذا كان فقيرا وأبوه قد توفي.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية