الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية: وقف المدين الذي لم يحجر عليه القاضي:

        إذا كان على شخص دين ولم يحجر عليه القاضي فهل يصح وقفه؟ اختلف العلماء - رحمهم الله - على قولين: القول الأول : أنه لا يصح وقفه إذا كان الدين مستغرقا.

        وبه قال بعض الحنفية، والمالكية، واختاره شيخ الإسلام.

        وعند المالكية: أن العقد غير لازم، فإن أجازه صاحب الدين نفذ.

        وعندهم أيضا: إن جهل السابق من الدين أو الوقف، فإن كان الوقف [ ص: 348 ] على محجوره بطل وإن حازه، وإن كان على غيره فلا بطلان إن حازه الموقوف عليه قبل حصول مانع من مرض أو موت.

        وحجته:

        1 - ما تقدم من الأدلة على عدم صحة وقف المفلس.

        وجه الدلالة: أنه إذا لم يصح وقف المفلس - المدين الذي حجر عليه القاضي - لحظ صاحب الحق، فكذا المدين الذي لم يحجر عليه; لاتفاقهما في علة الحجر.

        2 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذه يريد إتلافها أتلفه الله »، ولا ريب أن هذا التبرع إتلاف لها، فكيف ينفذ تبرع من دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاعله؟.

        3 - قال ابن القيم: « إن استغرقت الديون ماله لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون سواء حجر عليه الحاكم أو لم يحجر عليه، هذا مذهب مالك واختيار شيخنا، وعند الثلاثة يصح تصرفه في ماله قبل الحجر بأنواع التصرف، والصحيح هو القول الأول، وهو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره، بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده ; لأن حق الغرماء قد تعلق بماله ، ولهذا يحجر عليها الحاكم ولو تعلق حق الغرماء بماله لم يسع الحاكم الحجر عليه ، فصار كالمريض مرض الموت لما تعلق حق الورثة بماله منعه الشارع من التبرع بما زاد على الثلث، فإن في تمكينه من التبرع بماله إبطال حق الورثة منه، وفي تمكين هذا المدين من التبرع إبطال حقوق الغرماء، والشريعة [ ص: 349 ] لا تأتي بمثل هذا، فإنها إنما جاءت بحفظ حقوق أرباب الحقوق بكل طريق، وسد الطرق المفضية إلى إضاعتها ».

        4 - أن وفاء الدين واجب والوقف تطوع، والواجب مقدم على التطوع.

        القول الثاني: يصح وقفه ما دام أنه لم يحجر عليه.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        وحجته:

        1 - أن الأصل صحة التصرف; لبقاء الأهلية.

        ونوقش: باستثناء المدين; لما تقدم من أدلة القول الأول.

        2 - أن الوقف صادف ملكه، وحق الدائنين تعلق بذمة المدين لا بالعين.

        ونوقش: بعدم التسليم، بل تعلق بالعين; لإحاطة الدين بالمال.

        3 - أن سبب المنع من التصرف هو الحجر، فلا يتقدم المنع على سببه.

        ونوقش: بعدم التسليم، بل سبب المنع هو استغراق الدين لجميع ماله، واستحقاق الغرماء ماله كله.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة دليله، ومناقشة دليل القول الثاني.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية