الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الفصل الثاني: تاريخ الوقف عند المسلمين، وغيرهم، وأنواعه، وأسبابه

        وفيه مباحث:

        المبحث الأول: تاريخ الوقف عند المسلمين.

        المبحث الثاني: تاريخ الوقف عند غير المسلمين.

        المبحث الثالث: أنواع الوقف.

        المبحث الرابع: أسباب الوقف، ودوافعه، وعوامل اندثار بعض الأوقاف. [ ص: 126 ] [ ص: 127 ]

        المبحث الأول: تاريخ الوقف عند المسلمين

        إن أول وقف في الإسلام هو مسجد « قباء » الذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم مهاجرا إلى المدينة قبل أن يدخلها.

        ثم بعد ذلك المسجد النبوي بالمدينة، حيث بناه الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى للهجرة عند مبرك ناقته حين قدم المدينة.

        فقد روى البخاري ومسلم من طريق أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، نزل في علو المدينة، في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، قال: فجاءوا متقلدي سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل [ ص: 128 ] إلى ملأ بني النجار فجاءوا، فقال: « يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا » فقالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ».

        أما أول وقف خيري في الإسلام فقد اختلف المسلمون فيه:

        فقيل: إن أول صدقة في الإسلام هي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف الحوائط السبعة بالمدينة التي كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق، وكان محبا ودودا للنبي صلى الله عليه وسلم وقاتل مع المسلمين يوم أحد، وأوصى إن أصبت، أي: قتلت، فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله تعالى، وقد قتل يوم أحد وهو على يهوديته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « مخيريق خير يهود »، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم تلك الحوائط السبعة فتصدق بها، أي: وقفها.

        (32 ) روى الواقدي: « كان مخيريق اليهودي من أحبار اليهود، فقال يوم السبت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد: يا معشر اليهود إنكم لتعلمون أن محمدا نبي، وأن نصره عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت، ثم أخذ سلاحه، ثم حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابه القتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مخيريق خير يهود، وقد كان مخيريق حين خرج إلى أحد، قال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله » فهي عامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ ص: 129 ]

        وعن عائشة رضي الله عنها: « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سبع حيطان له بالمدينة صدقة على بني عبد المطلب وبني هاشم » (منقطع ) .

        وقيل: إن أول صدقة في الإسلام هي صدقة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سنة سبع من الهجرة حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر.

        (33 ) روى عمر بن شبة، عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: « سألنا عن أول حبس في الإسلام؟ فقال المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ». [ ص: 130 ]

        (34 ) وقال عبد الله: حدثني أبي، حدثنا حماد، أخبرنا عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: « أول صدقة - أي: موقوفة - كانت في الإسلام صدقة عمر ».

        وسواء قلنا: إن أول صدقة في الإسلام هي صدقة الرسول صلى الله عليه وسلم أو صدقة عمر بن الخطاب، فالوقف في الإسلام نوع من أنواع الصدقات التي رغب الشارع فيها، وندب إليها، وهو قربة من القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ولا فرق في ذلك بين الوقف على جهة عامة كالفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك، أو الوقف على القرابة والذرية، إلا أن السلف الأول من هذه الأمة يفضلون أن يكون آخره للمساكين.

        وقد توالت أوقاف الصحابة الكرام لا يبتغون من ذلك إلا مرضاة الله تعالى والتقرب إليه، واستمر الناس من بعدهم يقفون أموالهم تقربا إلى الله تعالي. [ ص: 131 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية