الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث: حكم الوقف على الذرية

        لقد سبق أن ذكرت الأدلة على مشروعية الوقف وفضله ولم أفرق بين الوقف الذري، والوقف الخيري، مما يدل على أن تلك الأدلة تبين حث الشارع وندبه إلى الإنفاق والتصدق على سبيل الوقف في وجوه البر [ ص: 183 ] المختلفة، سواء كانت على جهات خاصة كالقرابة والذرية، أم على جهات عامة كالفقراء والمساكين، مما يدل على مشروعية الوقف بنوعيه: الذري والخيري، لكن المتأمل في كثير من الأدلة التي وردت عن وقوف الصحابة رضوان الله عليهم يجد أن قسما كبيرا منها كانت على الذرية، والقرابة، وكان غرضهم من ذلك التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء مرضاته، ولعلي أورد بعضا منها في هذا الموضع.

        (33 ) روى البيهقي: أخبرنا أبو سعيد يحيى بن محمد بن يحيى المهرجاني الخطيب ، ثنا أبو بحر البربهاري، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي قال: « وتصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه بداره بمكة على ولده، فهي إلى اليوم، وتصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بربعه عند المروة وبالثنية على ولده، فهي إلى اليوم، وتصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأرضه بينبع، فهي إلى اليوم، وتصدق الزبير بن العوام رضي الله عنه بداره بمكة في الحرامية، وداره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده، فذلك إلى اليوم، وتصدق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بداره بالمدينة وبداره بمصر على ولده، فذلك إلى اليوم وعثمان بن عفان رضي الله عنه برومة، فهي إلى اليوم، وعمرو بن العاص رضي الله عنه بالوهط من الطائف وداره بمكة على ولده، فذلك إلى اليوم، وحكيم بن حزام رضي الله عنه بداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك إلى اليوم » قال: وما لا يحضرني ذكره كثير، يجزئ منه أقل مما ذكرت » . [ ص: 184 ]

        (38 ) قال الخصاف: حدثنا محمد بن عمر الواقدي، حدثنا محمد بن نجاد بن موسى بن سعد بن أبي وقاص، عن عائشة بنت سعد قالت: « صدقة أبي حبس لا تباع ولا توهب ولا تورث، وأن المردودة من ولده أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها... ».

        (39 ) وما رواه البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أحمد بن سهل، حدثنا إبراهيم بن معقل، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، حدثني مالك أن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، أنه حبس داره على ولده، وولد ولده، وعلى أعقابهم. [ ص: 185 ]

        فهذه الوقوف عن الجمع الكبير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل صراحة على مشروعية الوقف على الأولاد، وأن الواقف بهذا الوقف متى كان غرضه نبيلا، وقصده كريما، وهو تحقيق القربة والبر، فإن هذا الوقف يكون مشروعا... [ ص: 186 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية