الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6213 6214 6215 6216 6217 6218 [ ص: 527 ] ص: وقالوا: قد روي عن النبي -عليه السلام- في نحر البدن يوم الحديبية ما يخالف هذا وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عامر العقدي قال: ثنا مالك بن أنس ، عن أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه-: "أنهم نحروا يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة".

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني يحيى بن أيوب ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، وأبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال: "نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البدنة عن سبعة نفر، فقيل لجابر: والبقرة؟ فقال: هي مثلها، وحضر جابر عام الحديبية قال: ونحرنا يومئذ سبعين بدنة".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا محمد بن عمران ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن
                                                . جابر -رضي الله عنه- قال: " نحر رسول الله -عليه السلام- يوم الحديبية سبعين بدنة، وأمرنا أن يشترك منا سبعة في البدنة".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سليمان بن قيس ، عن جابر قال: " نحرنا مع رسول الله -عليه السلام- سبعين بدنة البدنة عن سبعة".

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا هدبة بن خالد ، قال: سمعت أبان بن يزيد يحدث عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الجزور عن سبعة". .

                                                فهذا جابر بن عبد الله يخبر عن رسول الله -عليه السلام- بما ذكرنا وهو كان معه حينئذ.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قال هؤلاء الآخرون: قد روي عن النبي -عليه السلام- في نحر البدن - وهو جمع بدنة - يوم الحديبية ما يخالف ما رواه المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم الذي احتج به أهل المقالة الأولى، وما رواه جابر أولى بالعمل؛ لأنه يخبر عن رسول الله -عليه السلام- بشيء وهو كان حاضرا هناك، وقد شاهد ذلك عن النبي -عليه السلام- بخلاف ما روى المسور ومروان، أما مروان فإنه لم ير رسول الله -عليه السلام- كما ذكرنا، وأما مسور فإنه وإن كان قد

                                                [ ص: 528 ] صح سماعه عن النبي -عليه السلام- لكن لم يكن معه يوم الحديبية فخبر الذي أخبر عن مشاهدة وعيان أقوى من غيره وأولى بالعمل ولا سيما أنس -رضي الله عنه- قد روى عنه -عليه السلام- أنه قال: "الجزور عن سبعة".

                                                أما حديث جابر فأخرجه من خمس طرق:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي عن مالك بن أنس عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي عن جابر .

                                                وأخرجه مسلم: عن قتيبة وعن يحيى بن يحيى عن مالك.

                                                الثاني: رجاله كلهم رجال الصحيح عن يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب عن مالك عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه أبو داود: عن القعنبي عن مالك .

                                                وأخرجه النسائي والترمذي: من طريق قتيبة عن مالك، وقال الترمذي: حسن صحيح.

                                                وابن ماجه عن محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق عن مالك .

                                                الثالث: على شرط مسلم عن محمد بن خزيمة عن عبد الله بن صالح وراق الليث وشيخ البخاري عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري عن عبد الملك بن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير محمد بن مسلم كلاهما عن جابر .

                                                وأخرجه مسلم: عن محمد بن حاتم عن يحيى القطان وعن محمد بن حاتم عن

                                                [ ص: 529 ] محمد بن بكر، كلاهما عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: "اشتركنا بالحديبية ونحن مع النبي -عليه السلام- السبعة في البقرة والسبعة في البدنة".

                                                الرابع: عن فهد بن سليمان عن محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي شيخ البخاري في كتاب "الأدب" عن أبيه عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه فقال: عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه-.

                                                الخامس: بإسناد صحيح عن أبي بكرة بكار القاضي عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري عن سليمان بن قيس اليشكري البصري عن جابر .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا عفان، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو بشر، أنا سليمان بن قيس ، عن جابر بن عبد الله قال: "نحرنا مع رسول الله -عليه السلام- يوم الحديبية سبعين بدنة البدنة عن سبعة".

                                                وأما حديث أنس -رضي الله عنه- فأخرجه بإسناد صحيح عن أحمد بن داود المكي عن هدبة بن خالد البصري شيخ البخاري ومسلم وأبي داود عن أبان بن يزيد العطار عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه-.

                                                قوله: "يوم الحديبية" وهو موضع من الأرض في أول الحرم منه حل ومنه حرم بينه وبين مكة نحو عشرة أميال أو خمسة عشر ميلا، وهو واد قريب من بلدح على طريق جدة، ومنزل النبي -عليه السلام- بها معروف مشهور بين الحل والحرم نزله النبي -عليه السلام-، واضطرب به بناؤه حين [صده] المشركون عن البيت، وذلك سنة ست ونزل معه أصحابه، فعسكرت قريش لصد النبي -عليه السلام- بذي طوى وأتاه الحليس بن علقمة وابن زيان أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة

                                                [ ص: 530 ] فأخبراه أنهم قد عسكروا بذي طوى، وحلفوا أن لا يدخلها عليهم عنوة أبدا، وكان رسول الله -عليه السلام- قصد مكة زائرا للبيت ومعظما له ولم يقصد لقتال قريش، فلما اجتمعوا لصده عن البيت بعث إليهم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يخبرهم أن رسول الله -عليه السلام- لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما له، فخرج عثمان -رضي الله عنه- حتى أتى مكة فأخبرهم بذلك فقالوا له: إن شئت أنت [أن] تطوف بالبيت فطف وأما محمد فلا في عامه هذا فقال عثمان: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله -عليه السلام-، واحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله -عليه السلام- أن عثمان قتل، فقال رسول الله -عليه السلام- حين بلغه ذلك: لا نبرح حتى نناجذ القوم. ودعا رسول الله -عليه السلام- إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة فكان الناس يقولون: بايعهم على الموت، وكان جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يقول: لم يبايعنا على الموت، وإنما بايعنا على أن لا نفر، ثم أتى رسول الله -عليه السلام- أن الذي قيل من أمر عثمان -رضي الله عنه- وذكر من قتله باطل، ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو العامري إلى الرسول -عليه السلام-، فصالحه عنهم، على أن يرجع عامه ذلك ولا يدخل مكة عليهم وأنه إذا كان عام قابل خرجت قريش عن مكة فيدخلها رسول الله -عليه السلام- وأصحابه وأقاموا بها ثلاثا... إلى سائر ما قاضوه وصالحوه عليه مما ذكره أهل السير فسمي عام القضية وهو عام الحديبية، فلما فرغ رسول الله -عليه السلام- من الصلح قام إلى هديه فنحره وحل من إحرامه وأمر أصحابه أن يحلوا وينحروا ونحر وحلقوا رؤوسهم وقصر بعضهم فدعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة وحلوا من كل شيء، وكان رسول الله -عليه السلام- قد أحرم يومئذ بعمرة ليأمن الناس حربه، وليعلموا أنه خرج زائرا للبيت ومعظما له، واختلف في موضع نحره -عليه السلام- لهديه، فقال قوم: نحر في الحل، وقال آخرون: بل نحر في الحرم، وقد مر الكلام فيه مستقصى في كتاب الحج.




                                                الخدمات العلمية