الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الرابع: الشخصية الاعتبارية للوقف

        الشخصية الاعتبارية: تعني في الأنظمة المعاصرة: أن تكون للمؤسسة أو الشركة شخصية قانونية مستقلة عن ذمم أصحابها أو شركائها يكون لها وحدها حقوقها والتزاماتها الخاصة بها، وتكون مسئوليتها محدودة بأموالها فقط.

        ويرجع سبب ظهور هذا المصطلح كظاهرة قانونية إلى التطور القانوني الذي طرأ على المؤسسات والشركات بعد الثورة الصناعية، فقد عهد إلى تلك المؤسسات القيام بأعمال ضخمة وهامة اقتضت تضامن الشركاء والأعضاء ، ووجود من يمثلهم، ويلتزم باسمهم نظرا لكثرة أعمالها وتنوعها، وحاجتها إلى مجهودات فنية مما أدى إلى اعتبار رأس المال بالمؤسسة مملوكا لها، وليكون له استقلاله وأمنه من أن يتعرض لاختلافات الأعضاء في رغباتهم ومنازعاتهم فضلا عما في ذلك من عدم تعرض أموال الأعضاء الخاصة للخطر إذا ما عجزت المؤسسة عن الوفاء بالتزاماتها .

        وقد سبق فقهنا الإسلامي القوانين الوضعية المعاصرة في إقرار الشخصية الاعتبارية للوقف.

        وللعلماء - رحمهم الله - في اعتبار شخصية الاعتبارية للوقف على قولين:

        القول الأول: أن للوقف شخصية اعتبارية:

        فإذا نشأ الوقف صحيحا باستيفاء أركانه وتحقق شروطه، وانتقل إلى حكم ملك الله تعالى; صارت له ذمة مالية مستقلة عن ذمة الواقف والموقوف [ ص: 119 ] عليه وناظر الوقف، تقضي بأن له حقوقا، وعليه التزامات وواجبات، وهو يستحق ويستحق عليه، وتجري العقود بينه وبين أفراد الناس من بيع وإيجار واستبدال وغير ذلك، وكذلك أعطى الفقهاء المسجد ذمة مالية مستقلة، فهو يملك، ويوقف عليه، ويوهب.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        القول الثاني: أن الوقف ليس له شخصية اعتبارية; إذ ليس له ذمة مالية.

        وهو قول الحنفية.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1 - أن الوقف يشتمل على عناصر الشخصية الاعتبارية من مجموعة الأموال المرصودة لغرض معين، ووجود نظام أساسي يخضع له يتمثل في أحكامه وشروطه، وكذا يوجد ناظر للوقف يتولى تدبير شؤونه.

        وله ذمة مالية كما سيأتي.

        2 - أن للوقف حقوقا وعليه واجبات، فمن حقوقه إثبات ملكيته، ومن مظاهر الملكية له: الاستبدال، أو المناقلة، والوقف عليه ، وأيضا الوصية له، والهبة له، وما يثبت بالجناية عليه، ومن الواجبات عليه: ثبوت الدين في ذمته ، وما يجب عليه بالجناية على غيره، وكالإجارة فإن حقوقها ترجع إلى الوقف، وكذا لو دفع الناظر الأرض مزارعة والشجر مساقاة، ثم مات أو [ ص: 120 ] عزل قبل انقضاء الأجل لم يبطل العقد، ومن ذلك الاستدانة على الوقف عند المصلحة، والاستئجار له، والشراء له نسيئة، ونحو ذلك.

        وثبوت الحقوق والواجبات ركنا الشخصية.

        وحجة الحنفية: أن الوقف ليس له ذمة مالية.

        وأجيب من وجهين:

        الوجه الأول: عدم التسليم، فقد تقدم أن للوقف ذمة مالية.

        الوجه الثاني: أن الذين أنكروا ذمة الوقف جاء عنهم ما يفيد أن للوقف ذمة، وأنه جهة تنسب إليها الحقوق وتتحمل الواجبات.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة دليله، وأيضا أهمية إثبات الشخصية الاعتبارية للوقف لبقائه قويا في تحقيق مقاصده، والقيام بأهدافه، والمحافظة على حقوقه، وقطع ما يؤدي إلى الإضرار به. [ ص: 121 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية