الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
358 - أنا أبو سعيد : محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس : محمد بن يعقوب الأصم ، نا بحر بن نصر ، نا ابن وهب ، حدثني مالك ، وأسامة بن زيد الليثي ، وسفيان الثوري ، عن ربيعة ، أنه سأل سعيد بن المسيب : كم في أصبع المرأة ؟ قال : " عشر " قال : كم في اثنتين ؟ قال : " عشرون " ، قال : كم في ثلاث ؟ قال : " ثلاثون " قال : كم في أربع ؟ قال : " عشرون " قال ربيعة : حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص [ ص: 361 ] عقلها ؟ قال : " أعراقي أنت ؟ " قال ربيعة : عالم متثبت أو جاهل متعلم ، قال : " يا ابن أخي ، إنها السنة " .

هذه المسألة : مبنية على أصل لفقهاء أهل المدينة ، هو : أن عقل جراحات المرأة مثل عقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية فصاعدا كانت على النصف من دية الرجل .

وهذا قول روي عن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وإليه ذهب ابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب الزهري ، وأهل المدينة ، إذا رأوا العمل بها على شيء قالوا : " هو : سنة " ، يريدون أن ذلك العمل إنما تلقي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه بالمدينة إلى حين وفاته ، ونحن وإن كنا نذهب في هذه المسألة إلى غير قولهم ، فإن احتجاجنا من خبر ابن المسيب إنما هو بتركه ما يوجبه القياس من أن الجراحات كلما كثرت اقتضت الزيادة في العقل على ما نقض عنها ، وأن ابن المسيب ترك القياس لما رأى أنه السنة .

ويدل على صحة ما ذكرناه أيضا أن الخبر يدل على قصد صاحب الشرع بصريحه ، والقياس يدل على قصده بالاستدلال ، والصريح أقوى ، فوجب أن يكون التقديم أولى .

وأيضا فإن القياس يفتقر إلى الاجتهاد في موضعين : أحدهما : في ثبوت العلة في الأصل . [ ص: 362 ] والثاني : في الحكم في الفرع ، لأن من الناس من قال : إذا ثبتت العلة في الأصل ، لا يجب الحكم بها في الفرع ، إلا أن يحصل الأمر بالقياس ، والاجتهاد في خبر الواحد إنما هو في ثبوت صدق الراوي ، فإذا ثبت صدقه من طريق يوجب الظن لزم المصير إلى خبره ، ولم يبق موضع آخر يحتاج إلى الاجتهاد فيه ، ولأن طريق ثبوت صدقه في الظاهر أجلى من طريق ثبوت العلة ، لأن الذي يدل عليه عادته في الزمان الطويل في اتباع الطاعات ، وتحري الصدق ، وتجنب الإثم ، فتدل هذه العادة على أنه مختار للصدق فيما حدث به ، فيكون أولى من طريق ثبوت العلة .

فأما الجواب عما قاله المخالف أن القياس يتعلق باستدلال القائس وصدق الراوي مغيب عنه ، فهو أنهما سواء ، لأنه مستدل على صدق الراوي بما يعلم من أفعاله الدالة على صدقه ، كما أن القياس مستدل على أن صاحب الشريعة حكم في الأصل لمعنى من المعاني وقصده ، فيكون ثبوت قصد صاحب الشريعة بالنظر في الأمارات الدالة عليه ، كثبوت صدق الراوي ، ولا فرق بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية