الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
324 - أنا أبو سعيد : محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس : محمد بن يعقوب الأصم ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا يونس بن محمد ، نا أبو هلال ، عن قتادة ، قال : " كلام الله ينسخ بعضه بعضا ، وكلام الرجال أحق أن ينسخ بعضه بعضا " .

النسخ جائز في الشرع ، وقالت اليهود : لا يجوز ، وحكي ذلك عن شرذمة من المسلمين ، وهو خطأ لأن التكليف في قول بعض الناس إلى الله تعالى يفعل ما يشاء ، وعلى قول بعضهم التكليف على سبيل المصلحة ، فإن كان إلى مشيئته تعالى ، فيجوز أن يشاء في وقت تكليف فرض ، وفي وقت إسقاطه ، وإن كان على سبيل المصلحة ، فيجوز أن تكون المصلحة في وقت في أمر ، وفي وقت آخر في غيره ، فلا وجه للمنع منه .

ونسخ الفعل قبل دخول وقته يجوز ، وليس ذلك ببداء ، والدليل عليه أن الله تعالى أمر إبراهيم الخليل عليه السلام بذبح ابنه ثم نسخه قبل وقت الفعل ، فدل على جوازه .

والبداء : هو ظهور ما كان خفيا عنه ، وليس في النسخ قبل الوقت ذلك المعنى .

[ ص: 333 ] ويجوز نسخ السنة بالسنة ، كما يجوز نسخ الكتاب بالكتاب ، الآحاد بالآحاد ، والتواتر بالتواتر .

فأما نسخ التواتر بالآحاد فلا يجوز ، لأن التواتر يوجب العلم ، فلا يجوز نسخه بما يوجب الظن .

ويجوز نسخ القول بالقول ، ونسخ الفعل بالقول ، ونسخ الفعل بالفعل ، ونسخ القول بالفعل ، لأن الفعل كالقول في البيان ، فكما جاز النسخ بالقول جاز بالفعل .

ويجوز النسخ بدليل الخطاب ، لأنه في معنى النطق ، ولا يجوز النسخ بالإجماع ، لأن الإجماع حادث بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن ينسخ ما تقرر في شرعه ، ولكن يستدل بالإجماع على النسخ ، فإذا رأيناهم قد أجمعوا على خلاف ما ورد به الشرع دلنا ذلك على أنه منسوخ .

ولا يجوز النسخ بالقياس : لأن القياس إنما يصح ، إذا لم يعارضه نص ، فإذا كان هناك نص مخالف للقياس ، لم يكن للقياس حكم ، فلا يجوز النسخ به .

ولا يجوز النسخ بأدلة العقل : لأن دليل العقل ضربان : ضرب لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه ، فلا يتصور نسخ الشرع به .

وضرب يجوز أن يرد الشرع بخلافه والبقاء على حكم الأصل ، [ ص: 334 ] وذلك إنما يجب العمل به عند عدم الشرع ، فإذا وجد الشرع ، بطلت دلالته ، فلا يجوز النسخ به .

التالي السابق


الخدمات العلمية