الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
505 - أنا محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن زرقويه ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، نا أحمد بن علي الأبار ، نا هشام بن عمار الدمشقي ، عن محمد بن عبد الله القرشي ، عن ابن شبرمة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة ؛ وأنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ - واللفظ له - أنا أبو حفص : عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الجمحي بمكة ، نا علي بن عبد العزيز ، نا أبو الوليد القرشي ، نا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي ، حدثني سليمان بن جعفر ، نا محمد بن يحيى الربعي ، قال : قال ابن شبرمة : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن علي ، وسلمت عليه ، وكنت له صديقا ، ثم أقبلت على جعفر ، وقلت : أمتع الله بك ، هذا رجل من أهل العراق له فقه وعقل ، فقال لي جعفر : لعله الذي يقيس الدين برأيه ، ثم أقبل علي ، فقال : " أهو النعمان ؟ " قال محمد بن يحيى الربعي ، ولم أعرف اسمه إلا ذلك اليوم - فقال له أبو حنيفة : نعم أصلحك الله ، فقال له جعفر : " اتق الله ، ولا تقس الدين برأيك ، فإن أول من قاس إبليس ، إذ أمره الله بالسجود لآدم ، فقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ثم قال له جعفر : " هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك ؟ " فقال له : لا - وفي حديث ابن رزقويه : نعم - فقال له : " أخبرني عن الملوحة في العينين ، وعن المرارة في الأذنين ، وعن [ ص: 465 ] الماء في المنخرين ، وعن العذوبة في الشفتين ، لأي شيء جعل ذلك ؟ " قال : لا أدري ، قال له جعفر : " إن الله تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين ، وجعل الملوحة فيهما منا منه على ابن آدم ، ولولا ذلك لذابتا فذهبتا ، وجعل المرارة في الأذنين منا منه عليه ، ولولا ذلك لهجمت الدواب فأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل ، وتجد من الريح الطيبة ومن الريح الرديئة ، وجعل العذوبة في الشفتين ليعلم ابن آدم مطعمه ومشربه " ، ثم قال لأبي حنيفة : " أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان ؟ " قال : لا أدري ، فقال جعفر : " لا إله إلا الله ، فلو قال : لا إله ثم أمسك كان مشركا ، فهذه كلمة أولها شرك وآخرها إيمان " ، ثم قال له : " ويحك أيها أعظم عند الله : قتل النفس التي حرم الله أو الزنا ؟ " قال : " لا ، بل قتل النفس " ، قال له جعفر : " إن الله قد رضي في قتل النفس بشاهدين ، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة ، فكيف يقوم لك قياس ؟ " ، ثم قال : " أيهما أعظم عند الله الصوم أم الصلاة ؟ " قال : " لا ، بل الصلاة " ، قال : " فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ، ولا تقضي الصلاة ؟ اتق الله يا عبد الله ولا تقس ، فإنا نقف غدا نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله تبارك وتعالى ، فنقول : قال الله عز وجل ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا ، [ ص: 466 ] فيفعل الله تعالى بنا وبكم ما يشاء " .

التالي السابق


الخدمات العلمية