الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
448 - أنا القاضي أبو بكر الحيري ، نا محمد بن يعقوب الأصم ، نا أبو عتبة ، نا بقية ، نا سعيد بن عبد العزيز ، عن ابن حلبس ، قال : قال بشير بن أبي مسعود - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا الله ، وعليكم بالجماعة ، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد [ ص: 424 ] - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة " .

قلت : يعني أن أبا مسعود كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ابنه .

فإن قال قائل : هذه كلها أخبار آحاد ، فلا يجوز الاحتجاج بها في هذه المسألة قيل له : هذه مسألة شرعية ، فطريقها مثل طريق مسائل الفروع ، وليس للمخالف فيها طريق يمكنه القول أنه يوجب القطع ، وإذا كان كذلك سقط هذا القول .

وجواب آخر ، وهو : أنها أحاديث تواتر من طريق المعنى ، لأن الألفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواة شتى ومعناها واحد ، لم يجز أن يكون جميعها كذبا ، ولم يكن بد من أن يكون بعضها صحيحا ، ألا ترى أن الجمع الكثير ، إذا أخبروا بإسلامهم ، وجب أن يكون فيهم طارق قطعا ، ولهذا نقول : إنه لا يجوز أن يقال أن جميع ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد يجوز أن يكون كذبا موضوعا .

وجواب آخر ، وهو : أنها وإن كانت من أخبار الآحاد فقد قامت الحجة بصحتها وثبوتها ، وذلك أنها تروى في كل عصر ، ويحتج بها [ ص: 425 ] في هذه المسألة ، ولم ينقل عن أحد أنه ردها وأنكرها ، ولو لم تقم الحجة عندهم بصحتها لوجب أن يختلفوا فيها فيقبلها قوم ويردها آخرون ، لأن العادة جارية بذلك في خبر الواحد الذي لم تقم الحجة بصحته عندهم ، فكان ما ذكرناه موجبا لصحتها علما وقطعا .

فأما الجواب عن احتجاج المخالف بحديث معاذ ، وأن الإجماع لم يذكر فيما ذكر من الأدلة فهو : أن الإجماع إنما يعتبر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يجوز أن ينعقد الإجماع في حياته دونه ، وقوله بانفراده حجة لا يفتقر إلى قول غيره ، فلم يكن في عصره اعتبار بالإجماع .

وأما الجواب عن احتجاجه بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا ترجعوا بعدي كفارا " ، وبقوله : " لتركبن سنن من كان قبلكم " ، فهو أنه خطاب لبعض الأمة ، والبعض يجوز عليه الخطأ ، ولأن قوله : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " خاص في حال الإجماع ، والخاص يجب أن يقضى به على العام .

وأما الجواب عن قوله : إنهم في حال الإجماع بمنزلتهم في حال الانفراد : فهو : أن عصمة الأمة في حال الإجماع أثبتناه بالشرع دون العقل ، فلا يمتنع أن يعلم الله أنهم لا يختارون الخطأ في حال الإجماع ، ولا يقع ذلك منهم ، فإذا أخبر بذلك ، وجب المصير إليه والعمل به .

وأما الجواب عن قوله إنه لا طريق إلى معرفة الإجماع لكثرة المسلمين ، فهو : أن الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء ، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم ، ويمكن معرفة اتفاق أهل العلم ، لأن من اشتغل بالعلم حتى صار من أهل الاجتهاد فيه لم يخف أمره على أهل [ ص: 426 ] بلده وجيرانه ، ولم يخف حضوره وغيبته ، ويمكن الإمام أن يبعث إلى البلاد ، ويتعرف أقاويل الجميع ، فإن قال يجوز أن يكون في أسر في الغزو رجل من أهل العلم ، وحصل في أيدي المشركين غير مقدور عليه ؟

فالجواب : أن مثل هذا لا يخفى ، وإذا جرى مثل ذلك ، لم ينعقد الإجماع ، إلا بالوقوف على مذهبه فيه .

[ ص: 427 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية