الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
149 - أنا أبو بكر : عبد الله بن علي بن حمويه بن أبرك الهمذاني بها ، أنا أبو بكر : أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الشيرازي ، أنا أبو الفضل : أحمد بن محمد بن إسحاق السمرقندي ، نا أبو عبد الرحمن : عبد الله بن مسعود ، نا إبراهيم بن نصر ، قال : حدثني أبو محمد : عبد الله بن نمر ، قال : سمعت عبد الله بن عثمان ، يقول : سمعت محمد بن الحسن مرارا ، يقول : " إذا أفنى الرجل قوته وشبيبته في الحسابات ، فإذا بلغ منها الغاية القصوى في نفسه ، فوجهها المساحة والقسمة ونحوهما ، وقد كرهها بعض الفقهاء " .

بلغنا أن سعيد بن المسيب قال : الذي يمسح للناس ، ويأخذ عليها أجرا أنه لغير طائل ، قال محمد : وأما نحن فلا نرى بأسا أن يؤدي فيه الأمانة ، ويأخذ عليها الأجر .

وإن أفنى أيامه وقوته وحفظه في طلب الشعر ، فإذا بلغ فيه الغاية القصوى في نفسه ، فقصاراه أن يصير شاعرا يطري من يعطيه شيئا أو يكرمه .

بلغنا أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان كانا يضربان على الهجاء ضربا شديدا ، ويحبسان .

وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ، شاعر يهجو قبيلة بأسرها " .

[ ص: 156 ] فهو أبدا حريص مستعط ذليل ، وما عليه من التبعة في العاقبة أشد وأدهى . وإن أفنى أيامه في النحو ، والعويص من الكلام فقصاراه أن يصير مؤدبا ، يؤدب أولاد الملوك ، فهو أبدا في المعاذير ، والمداراة ، والبلاء ، فربما أصاب من خيرهم ، وربما طرد وحرم ، فإن معاشرتهم شديدة ، وإن أفنى أيامه في أحاديث السمر والمغازي ، وأيام العرب والأنساب ، ونحو ذلك ، فإذا بلغ منه الغاية القصوى في نفسه فقصاراه أن ينضم إلى بعض الملوك فيسامره ، ويؤاتيه على أمره ، ويساعده على ما أراد طمعا منه ، فما يحرم من دينه أكثر مما عسى أن يصيب من دنياه ، وإن أفنى أيامه في هذه الخطب والرسائل ، وأشباه ذلك ، فقصاراه أن يصير خطيبا ، وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من خطيب يخطب ، إلا عرضت عليه يوم القيامة أراد بها ما عند الله ، أو ما عند الناس " .

كان سفيان يقول : الكلمة خطبة .

قال محمد بن الحسن : " ولكن من وفق لهذا العلم ، الذي فيه الحلال والحرام ، والفرائض والحدود ، والأحكام ، ومعالم الدين كلها ، فطلبه في شبيبته قبل تراكب الأشغال عليه ، فأدرك منه حظا ، فإن أراد به الآخرة ، ووفق فيه للخير والصدق ، أدرك به الدنيا والآخرة ، إن شاء الله ، وكان مكرما محمودا عزيزا متبعا شريفا بعيد الصوت [ ص: 157 ] مطاعا في الناس ، وإن أراد به الدنيا ، ولم يوفق فيه للخير والصيانة ، وظلف النفس وإلجامها عن هواها لم يستغن عنه الناس ، فإنه ليس في الدنيا خلق يستغني عن العلم إلا من رضي بالجهالة والخسارة ، فإذا لم يكن لهم غنية - يعني : عنه - فلا بد لهم من إكرامه ومعرفة حقه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية