الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
345 - أنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب ، أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، أنا أحمد بن موسى الجوهري ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : سمعت أنس بن مالك ، يقول : " إنا لنذبح ما شاء الله من ضحايانا ، ثم نتزود بقيتها إلى البصرة " .

قال الشافعي : " فهذه الأحاديث تجمع معان : منها : أن حديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، وحديث عبد الله بن واقد متفقان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وفيهما دلالة على أن عليا ، سمع النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النهي بلغ عبد الله بن واقد .

ودلالة على أن الرخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تبلغ عليا ولا عبد الله بن واقد ، ولو بلغتهما الرخصة ما حدثا بالنهي والنهي منسوخ ، وتركا الرخصة والرخصة ناسخة ، والنهي منسوخ لا يستغني سامعه عن علم ما نسخه . [ ص: 347 ]

وقول أنس بن مالك : كنا نهبط بلحوم الضحايا البصرة يحتمل أن يكون أنس سمع الرخصة ، ولم يسمع النهي قبلها ، فتزود بالرخصة ولم يسمع نهيا ، أو سمع الرخصة والنهي ، فكان النهي منسوخا ، فلم يذكره ، فقال كل واحد من المختلفين بما علم .

وهكذا يجب على كل من سمع شيئا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ثبت له عنه أن يقول منه بما سمع حتى يعلم غيره " .

قال الشافعي : فلما حدثت عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ، ثم الرخصة فيها بعد النهي ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه إنما نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث للدافة ، كان الحديث التام المحفوظ أوله وآخره ، وسبب التحريم والإحلال فيه حديث عائشة ، وكان على من علمه أن يصير إليه ، وحديث عائشة من أبين ما يوجد في الناسخ والمنسوخ من السنن ، وهذا يدل على أن بعض الحديث يختصر فيحفظ بعضه دون بعض ، فيحفظ منه شيء كان أولا ، ولا يحفظ آخرا ، ويحفظ آخرا ولا يحفظ أولا ، فيؤدي كل ما حفظ ، والرخصة بعدها في الإمساك والأكل والصدقة من لحوم الضحايا إنما هي لواحد من معنيين ، لاختلاف الحالين : فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ، وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود ، والإدخار والصدقة . [ ص: 348 ]

ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخا بكل حال ، فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء .

قلت : وإذا تعارض خبران من رواية صحابيين كان أحدهما أقدم صحبة كابن مسعود ، وابن عباس ، لم يجز أن ينسخ خبر الأقدم بالأحدث لأنهما عاشا إلى أن قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجوز أن يكون الأقدم سمع ما رواه بعد سماع الأحدث ، ولأنه يجوز أن يكون الأحدث أرسله عمن قدمت صحبته ، فلا تكون روايته متأخرة عن رواية الأقدم ، فلا يجوز النسخ مع الاحتمال .

[ ص: 349 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية