الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
415 - وأنا أبو الحسن : محمد بن عبيد الله الحنائي ، نا أحمد بن [ ص: 399 ] سلمان النجاد ، إملاء ، نا أبو الأحوص : محمد بن الهيثم بن حماد القاضي ، نا ابن أبي مريم ، نا أبو غسان : - يعني : محمد بن مطرف - قال حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " ، قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى ، قال : " فمن ؟ " .

قالوا : وما ذكر في هذين الحديثين يدل على أن الإجماع على الخطأ جائز على الأمة ، قالوا : ولأن كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ بانفراده ، فإذا اجتمع مع غيره كان بمنزلة المنفرد ، لأنه يجتهد برأيه المعرض للخطأ .

قالوا : ولأن الأمة لا يحصون ، ولا يمكن سماع أقاويلهم ، ومالا سبيل إلى معرفته ، فلا يجوز أن يجعله صاحب الشريعة دليلا على شريعته .

وهذا عندنا غير صحيح ، وحجتنا فيما ذهبنا إليه قول الله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .

[ ص: 400 ] ، ووجه الدليل من هذه الآية ، أن الله تعالى ، توعد أتباع غير سبيل المؤمنين ، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب ، ومخالفتهم حرام .

فإن قال المخالف : هذا استدلال بدليل الخطاب وليس بحجة عندنا ؟ فالجواب : أنه دليل عندنا كالعموم والظاهر ، وقد دللنا عليه فيما تقدم ، وعلى أن هذا ليس بدليل الخطاب ، وإنما هو احتجاج بتقسيم عقلي ، لأنه ليس بين اتباع سبيل المؤمنين ، وبين اتباع غير سبيلهم قسم ثالث ، وإذا حرم الله اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم ، وهذا واضح لا شبهة فيه .

فإن قال : إنما توعد الله على مشاقة الرسول وهي مخالفته ، وعلى اتباع غير سبيل المؤمنين ، فلا يجوز أن يحمل التوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين بانفراده .

فالجواب : أن مشاقة الرسول محرمة بانفراده ، وإن لم يكن هناك مؤمن ، فدل على أن الوعيد على كل واحد منهما بانفراده ، ولأن اتباع غير سبيل المؤمنين لو لم يكن محرما بانفراده ، لم يحرم مع مشاقة الرسول كسائر المباحات .

فإن قال : أهل العصر هم بعض المؤمنين ، والظاهر من الآية جميع المؤمنين إلى يوم القيامة ؟

[ ص: 401 ] فالجواب : أنه لا يجوز أن يريد به جميعهم ، لأن التكليف في ذلك يكون يوم القيامة ، ولا تكليف في الآخرة ، وإذا كان المراد بعض المؤمنين ، وأجمعوا على أنه لم يرد ما زاد على أهل العصر ، كان المراد به أهل العصر ، ولأن من يقع عليه اسم المؤمنين حقيقة هم الموجودون في العصر ، لأن من لم يخلق لا يسمى مؤمنا ، ومن خلق ومات فلا يسمى مؤمنا حقيقة ، وإنما كان مؤمنا .

[ ص: 402 ] [انتهى ، ويتلوه إن شاء الله : (ومن الدليل أيضا على أصل المسألة)

والحمد لله حق حمده ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما] . [ ص: 403 ] (السماعات الملحقة بآخر الجزء من نسخة الظاهرية)1 . وفرغ من كتبه عبد العزيز بن علي يوم الأحد وقت الأولى في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وأربعمائة ، وحسبي الله وحده .

2 . سمع " بلغ " السماع لصاحبه الشيخ أبي القاسم عبد الرحمن بن علي بن القاسم أدام الله توفيقه من لفظ الشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، صان الله قدره وأعلى ذكره ، وسمعه القاضي أبو الفرج : أحمد بن القاضي الناصح عين الدولة أبي محمد عبد الله بن علي بن عياض والشريف الأمير أبو منصور : محمد بن الحسين بن عبيد الله الحسيني ، وولده أبو الحسن : علي والشريف أبو الحسن : علي بن محمد الهاشمي ، والشيخ أبو محمد : عبد الله بن هبة الله بن السمسار ، والشيخ أبو محمد بن عبد الواحد الخطيب ، والشيخ أبو علي : الحسن والطاهر والحسين ابنا عبد الرحمن بن علي بن القاسم ، والشيخ أبو عمران : موسى بن علي الصقلي النحوي ، والشريف أبو عبد الله : محمد بن عبد الله العباس ، والشيخ أبو محمد : عبد الله بن عبد المحسن بن زهير ، والشيخ أبو الحسن : علي بن عبيد الله بن حبيش الفقيه ، وأبو الغنائم المسلم بن ناصر العباسي ، والشيخ أبو الحسن : علي بن أحمد الزهري ، وأبو محمد : الحسن بن عبد المحسن الجياني ، وأبو سعد إبراهيم بن الفقيه سليم بن أيوب الرازي ، وأبو القاسم : علي بن العباس بن الأيسر ، وولداه محمد والحسين ، وأبو محمد : عبد الغني بن الحسن ، وعلي بن أحمد الأهوازي [ ص: 404 ] وعلي بن سلامة ، وأبو صالح محمد بن عبد الجليل ، وأبو الحسين أحمد بن علي البغدادي ، وأبو البيضاء : سويد بن أبي طاعة المقدسي ، وأبو المعالي : عبد الرحمن بن محمد البراقي ، وأبو القاسم السمرقندي المقرئ ، ورزق الله بن عبد الله ، وأبو القاسم المنبجي ، ومحمد بن أبي بكر الأرسوفي ، والشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن سلمة ، وأبو الحسين : أحمد بن عبد الواحد المعبر ، والشيخ أبو اليسر : المؤمل بن الحسين بن أبي سلامة الطائي ، وسمع من أول الورقة الثانية : أبو محمد إسماعيل بن عبد السيد القيسراني وولداه : محمد وعلي وذلك بصور في شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسين وأربعمائة ، وسمعه أيضا من لفظ الشيخ الإمام أبي بكر الحافظ أيضا : أبو الفضل علي بن عبد السيد العسقلاني ، وأبو تراب : حيدرة بن أبي منصور الهمذاني ، ومكي بن عبد السلام المقدسي ، وذلك في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وأربعمائة . [ ص: 405 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية