550  - وأنا القاضي أبو العلاء الواسطي ،  نا محمد بن أحمد بن موسى البابسيري ،  حدثنا أبو أمية القاضي ،  نا أبي ، نا سعيد بن أبي زنبر ،  عن  مالك بن أنس ،  قال : سمعت ربيعة ،  يقول :  " أنزل الله كتابه على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وترك فيه موضعا لسنة نبيه ، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السنن وترك فيها موضعا للرأي " .  
قد أوردنا من الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه ما يدل على صحة الحكم بالقياس ،  وفساد قول  داود بن علي  ومن وافقه . 
فأما احتجاجه بقول الله تعالى : ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون   ) 
فالجواب عنه ، أن الحكم بالقياس معلوم ، وهو بمنزلة الحكم بشهادة الشاهدين إذا غلب على ظن الحاكم عدالتهما وصدقهما ، وبمنزلة التوجه إلى الكعبة ، إذا غلب على ظنه أنها في جهة ، فإن وجوب الحكم بها وفعل الصلاة إليها معلوم ، على أن ما ذكرناه من السنة أخص من ذلك ، فوجب أن يقضى به عليه . 
وأما الجواب عن حديث  أبي هريرة ،  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :  " فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا " ، وحديث  ابن عمر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  [ ص: 502 ]  :  " من قال في ديننا برأيه فاقتلوه " ، فهو : أن المراد به الرأي المخالف لكتاب الله أو سنة رسول الله ومن فعل ذلك فقد ضل . 
وكذا الجواب عن حديث عوف بن مالك ،   وعائشة أم المؤمنين  في القياس ، وأن المراد به القياس المخالف للكتاب أو السنة . 
وأما الجواب عن حديث عمر ،  فهو : أن المراد به الرأي المخالف للحديث ، لأنه قال :  " أعيتهم السنة أن يحفظوها ، ونسوا الأحاديث أن يعوها " ، وقال :  " هم أعداء السنن " ، وليس هذه صفة من جعل السنن أصلا يقيس عليها . 
وكذلك قول علي :   " لو كان الدين بالقياس " ، المراد به مخالفة السنة ، ومثله قول  ابن مسعود   وابن عباس .  
والدليل على ذلك ، ما قدمنا روايته عنهم في القول بالرأي والعمل به ، وعلى هذا يحمل قول مسروق  والشعبي ،  وغيرهما ممن ذم الرأي ، بدليل ما رويناه من إجازته وتصحيح العمل به . 
وقول  جعفر بن محمد   " إن أول من قاس إبليس " صحيح ، وذلك  [ ص: 503 ] أن الله تعالى أمره بالسجود لآدم ،  فقاس ليدفع بقياسه ما أمره الله به نصا ، فقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين   ) ، فجعل قوة النار على الطين دليلا على أن الأضعف حكمه أن يخضع للأقوى ، وأن آدم أولى بالسجود له ، فوضع القياس في غير موضعه ، فكان ذلك فاسدا ، لمخالفة النص ومفارقة الدلالة . 
وأما قول داود :  إن المقصود بالقياس ، إثبات الحكم فيما لا نص فيه ، وكل حكم قد تناوله النص عندنا . 
فالجواب عنه ، أنا نعلم خطأ هذا القول ضرورة ، لوجودنا أحكاما كثيرة لا نص فيها . 
فإن قال : اذكر بعضها قيل له : من ترك الصلاة متعمدا وجب عليه قضاؤها ، ولا نص فيه ، وإنما قيس على من نسيها أو نام عنها ، وقتل الزنبور في الحل والحرم ليس فيه نص ، وإنما قيس على العقرب ، وإذا مات سنور في السمن ، ليس فيه نص ، وإنما قيس على الفأرة تموت في السمن ، وما أشبه ذلك كثير . 
وأما المسائل الغامضة ، فأكثر من أن تحصى ويطول ذكرها في هذا الكتاب ، على أنه ليس من شرط القياس ، أن يكون النص معدوما ، وإنما من شرطه أن لا يكون مخالفا للنص ، فإذا لم يكن مخالفا للنص صح القياس ، مع وجود النص ، ومع عدمه . 
 [ ص: 504 ] 
				
						
						
