المطلب التاسع: الشرط التاسع:
اشتراط كون الموقوف غير نقد.
(وقف النقود)
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وقف النقود:
اختلف أهل العلم فيما لو وقف نقودا لإقراض المحتاجين، أو للمضاربة بها، ويصرف ربحها في مصارف الوقف، ونحو ذلك على قولين: [ ص: 584 ]
القول الأول : صحة وقف النقود.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، ووجه عند الشافعية، ورواية عن واختاره شيخ الإسلام. الإمام أحمد،
القول الثاني: عدم جواز وقف النقود.
وبه قال أبو حنيفة، وقول عند وأبو يوسف، المالكية، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.
الأدلة:
أدلة الرأي الأول: استدل لهذا الرأي بما يلي:
1 - ما تقدم قريبا من الأدلة على مشروعية وقف ما تفنى عينه باستهلاكه فإذا شرع وقف هذه الأشياء، فالنقود من باب أولى. [ ص: 585 ]
2 - القياس على العقار، فالنقود يمكن الانتفاع بها مع بقائها صورة أو معنى عن طريق إقراضها للمحتاجين، أو المضاربة بها، والإفادة من ربحها، ونحو ذلك.
3 - القياس على الإجارة، فكما يجوز إجارتها يجوز وقفها .
4 - أن وقف النقود يحصل به مقصود الوقف من تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة.
5 - القياس على القرض والمضاربة.
أدلة الرأي الثاني:
استدل لهذا الرأي بما يلي:
1 - أن المنفعة ليست المقصود الذي خلقت له الأثمان؛ ولهذا لا تضمن في الغصب، فلم يجز الوقف له، كوقف الشجر على نشر الثياب، والغنم على دوس الطين، والشمع ليتجمل به.
ونوقش هذا الاستدلال بعدم تسليم الأصل، فالمنفعة مقصودة في الأثمان، وتضمن في الغصب.
2 - أن النقود تفنى باستيفاء منفعتها، ومن شرط الوقف التأبيد.
ونوقش هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أنه لا يسلم أن من شرط الوقف التأبيد، وقد سبق مناقشة هذا القول عند مبحث وقف المنقول. [ ص: 586 ]
الوجه الثاني: أن ما يفنى باستهلاكه من الأعيان يصح وقفه كما سبق.
الوجه الثالث: أنه يمكن الانتفاع بالنقود على وجه لا تفنى به، كإقراض المحتاجين، والمضاربة بها وصرف ربحها فيما وقفت له، ونحو ذلك.
الوجه الرابع: أن التأبيد مفهوم نسبي وهو في كل مال بحسبه، والمراد إمكان الانتفاع مدة بقائه لا إلى الأبد، وللأموال الموقوفة أيا كان نوعها أعمار يتلاشى ريعها، وتتراجع قيمتها حتى لا تساوي شيئا، وإن بقيت أعيانها.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - صحة وقف النقود؛ لقوة دليل هذا القول، ولأن الوقف فعل خير وقربة، فيكثر منه، ويحث عليه.