المطلب السادس: الشرط السادس: أن لا يتضمن الوقف ترك واجب
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: وقف ما يجب من نفقة، ونحوها:
كما لو وقف البيت الذي يسكنه مسجدا، أو رباطا لطلاب العلم، فإنه يأثم لتقديمه النفل على الواجب، ولما يأتي من الأدلة: من وقف ما يضر بمن تلزمه نفقته من الزوجات، والأقارب،
قال ابن عابدين: « الصدقة تستحب بفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه، وإن تصدق بما ينقص مؤنة من يمونه أثم »، والوقف من الصدقة. [ ص: 385 ]
ويقول الشيرازي: « لا يجوز أن »، والوقف من الصدقة. يتصدق بصدقة التطوع وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته أو نفقه عياله
ويقول: « ولا يجوز لمن عليه دين وهو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه; لأنه حق واجب، فلم يجز تركه بصدقة التطوع كنفقة عياله ».
وقال « أما صدقة التطوع قبل أداء الواجبات من الزكوات والكفارات، وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب والزوجات، فغير مستحبة ولا مختارة ». الماوردي:
ويقول « فإن تصدق بما ينقص من كفاية من تلزمه مؤنته ولا كسب له، أثم ». ابن قدامة:
وقال ابن الرفعة: « إذا كان محتاجا لما يتصدق به لنفسه، أو لنفقة عياله، أو لقضاء ديون عليه لا يرجو وفاءه فتصدق بالمال أو وهبه أو وقفه أو أعتقه، ففي صحة ذلك الوجهان في هبة المال في الوقت، والصحيح عدم الصحة، فإنه يريد أن يتحايل على أهل الديون، وأن يضيع من يعول، وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ». [ ص: 386 ]
ويقول المرداوي: « وإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أثم، وكذا لو أضر ذلك بنفسه أو بغريمه أو بكفايته، قاله الأصحاب »، والوقف من الصدقة.
أما إن فإنه يكره له الصدقة في هذه الحالة، فإن أضر بنفسه حرم عليه التصدق. كانت الصدقة تنقص من كفاية المتصدق نفسه، ولا صبر له على الضيق،
صرح بهذا فقهاء الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
وقال « ولا تنفذ هبة ولا صدقة لأحد إلا فيما أبقى له ولعياله غنى، فإن أعطى ما لا يبقى لنفسه وعياله بعده فسخ كله ». ابن حزم:
والدليل على ذلك:
1 - قوله تعالى: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين 2 - قوله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك .
(109 ) 3 - ما رواه من طريق مسلم خيثمة، عن رضي الله عنه ...قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عبد الله بن عمر ». [ ص: 387 ] كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته
(110 ) 4 - وما رواه من طريق مسلم عن أبي الزبير، رضي الله عنه قال: جابر بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: « ألك مال غيره؟ » فقال: لا، فقال: « من يشتريه مني؟ »، فاشتراه بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثم قال: « ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا ». نعيم بن عبد الله أعتق رجل من
(111 ) 5 - ما رواه من طريق البخاري أبي صالح قال: حدثني رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أبو هريرة تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني؟ » فقالوا: يا أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول »، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : لا ، هذا من كيس أبا هريرة أبي هريرة.
(112 ) 6 - ما رواه من طريق البخاري عروة - واللفظ له - من طريق ومسلم أن موسى بن طلحة حدثه حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ».
قال « الخطابي: » أي: لا تضيع عيالك، وتفضل على غيرك ». [ ص: 388 ] وابدأ بمن تعول
وقال ابن حجر: « أي: بمن يجب عليك نفقته... وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب. وابدأ بمن تعول »
وقد بوب على هذا الحديث وغيره: « باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دين، فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رد عليه، ليس له أن يتلف أموال الناس ». البخاري