الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الفصل الثاني: شروط صحة الوقف [ ص: 256 ] [ ص: 257 ]

        تمهيد

        اختلفت عبارات الفقهاء في شروط الوقف بحسب اختلاف مذاهبهم في مسائل الوقف.

        من الفقهاء من سرد شروط الوقف تباعا، ومنهم من جعلها في ثنايا كلامه عن الوقف والتحبيس.

        كما نهج الفقهاء المتقدمون، وكثير من المعاصرين طريقة صياغة الشروط في العقود، ومواضع ذكرها، حيث يذكرون الأركان، ثم يذكرون شروط كل ركن على حدة.

        وتحته مباحث: [ ص: 258 ] المبحث الأول: شروط الواقف

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول: أن يكون الواقف بالغا، عاقلا، حرا، رشيدا

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: البلوغ:

        وفيها أمران:

        الأمر الأول: وقف الصبي غير المميز.

        إذا وقف الصبي غير المميز، فوقفه غير معتبر لا يترتب عليه إلزام ولا التزام. [ ص: 259 ]

        وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.

        ويدل لهذا الأدلة الآتية:

        1 - قوله تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا .

        وجه الدلالة: أن انتقال الملك بالوقف متوقف على الرضا المعتبر، وهو مفقود من الصبي غير المميز.

        2 - قوله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم .

        قال الطبري رحمه الله: « والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه عم بقوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فلم يخص سفيها دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي ماله صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا ».

        (50 ) 3 - ما رواه الإمام أحمد من طريق حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « رفع القلم عن [ ص: 260 ] ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل ».

        4 - أن الصبي في أول أحواله عديم التمييز، فكان كالمجنون بل أدنى حال منه; لأنه قد يكون للمجنون تمييز وإن لم يكن له عقل، والصبي غير المميز عديم التمييز. [ ص: 261 ] 5 - أن الصبي غير المميز لا تحصل المصلحة بتصرفه; لعدم تمييزه ومعرفته.

        وتصحيح عقوده التي يصدرها وسيلة لضياع حقوقه وأمواله.

        الأمر الثاني: وقف الصبي المميز:

        إذا وقف الصبي المميز فإن وقفه لا يصح.

        ولا أثر لإذن الولي في ذلك، فلو أذن الولي للصبي في مباشرة الوقف فإنه لا يغير الحكم.

        وهذا هو قول أكثر الفقهاء، فهو مذهب الحنفية، والمالكية والشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه الأصحاب.

        ويدل لهذا ما يأتي:

        1 - قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم .

        قال الطبري رحمه الله: « والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه عم بقوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فلم يخص سفيها دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي ماله صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا». [ ص: 262 ]

        2 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل».

        3 - أن الصبي المميز محجور عليه لحظ نفسه، فلا يصح وقفه.

        4 - أن الصبي مظنة الرحمة والإشفاق، لا مظنة الإضرار به، والله تعالى أرحم الراحمين فلم يشرع في حقه المضار، ومن ذلك عدم صحة وقفه.

        5 - وأما الدليل على عدم أحقية الولي في الإذن والإجازة في الوقف; لأن ولايته نظرية، وليس من النظر إثبات الولاية فيما ضرره محض في حق الصبي كالوقف.

        6 - قياس وقف غير البالغ على طلاقه لزوجته; لاتفاقهما في حصول الضرر عليه وعلى ماله.

        القول الثاني: صحة وقف الصبي المميز.

        وهو رواية عن الإمام أحمد.

        وبه قال أبو بكر الأصم إذا كان بإذن القاضي.

        وحجته: القياس على صحة إبرائه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بعدم تسليم الأصل المقيس عليه; إذ هو موضع خلاف بين أهل العلم. [ ص: 263 ]

        ونوقش قول أبي بكر الأصم: بأن القاضي لا يملك أن يوقف من مال الصبي شيئا فكيف يملك الإذن؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - أن الصبي المميز لا يصح وقفه; لقوة دليل الجمهور على ما ذهبوا إليه، وضعف دليل القول الثاني بمناقشاته.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية