358 - أنا نا أبو سعيد : محمد بن موسى الصيرفي ، نا أبو العباس : محمد بن يعقوب الأصم ، نا بحر بن نصر ، حدثني ابن وهب ، مالك ، وأسامة بن زيد الليثي ، عن وسفيان الثوري ، ربيعة ، أنه سأل كم في أصبع المرأة ؟ قال : " عشر " قال : كم في اثنتين ؟ قال : " عشرون " ، قال : كم في ثلاث ؟ قال : " ثلاثون " قال : كم في أربع ؟ قال : " عشرون " قال ربيعة : حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص [ ص: 361 ] عقلها ؟ قال : " أعراقي أنت ؟ " قال ربيعة : عالم متثبت أو جاهل متعلم ، قال : " يا ابن أخي ، إنها السنة " . سعيد بن المسيب :
هذه المسألة : مبنية على أصل لفقهاء أهل المدينة ، هو : أن عقل جراحات المرأة مثل عقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية فصاعدا كانت على النصف من دية الرجل .
وهذا قول روي عن عمر بن الخطاب ، وإليه ذهب وزيد بن ثابت ، ابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب الزهري ، وأهل المدينة ، إذا رأوا العمل بها على شيء قالوا : " هو : سنة " ، يريدون أن ذلك العمل إنما تلقي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه بالمدينة إلى حين وفاته ، ونحن وإن كنا نذهب في هذه المسألة إلى غير قولهم ، فإن احتجاجنا من خبر إنما هو بتركه ما يوجبه القياس من أن الجراحات كلما كثرت اقتضت الزيادة في العقل على ما نقض عنها ، وأن ابن المسيب ترك القياس لما رأى أنه السنة . ابن المسيب
ويدل على صحة ما ذكرناه أيضا أن الخبر يدل على قصد صاحب الشرع بصريحه ، والقياس يدل على قصده بالاستدلال ، والصريح أقوى ، فوجب أن يكون التقديم أولى .
وأيضا فإن القياس يفتقر إلى الاجتهاد في موضعين : أحدهما : في ثبوت العلة في الأصل . [ ص: 362 ] والثاني : في الحكم في الفرع ، لأن من الناس من قال : إذا ثبتت العلة في الأصل ، لا يجب الحكم بها في الفرع ، إلا أن يحصل الأمر بالقياس ، والاجتهاد في خبر الواحد إنما هو في ثبوت صدق الراوي ، فإذا ثبت صدقه من طريق يوجب الظن لزم المصير إلى خبره ، ولم يبق موضع آخر يحتاج إلى الاجتهاد فيه ، ولأن طريق ثبوت صدقه في الظاهر أجلى من طريق ثبوت العلة ، لأن الذي يدل عليه عادته في الزمان الطويل في اتباع الطاعات ، وتحري الصدق ، وتجنب الإثم ، فتدل هذه العادة على أنه مختار للصدق فيما حدث به ، فيكون أولى من طريق ثبوت العلة .
فأما الجواب عما قاله المخالف أن القياس يتعلق باستدلال القائس وصدق الراوي مغيب عنه ، فهو أنهما سواء ، لأنه مستدل على صدق الراوي بما يعلم من أفعاله الدالة على صدقه ، كما أن القياس مستدل على أن صاحب الشريعة حكم في الأصل لمعنى من المعاني وقصده ، فيكون ثبوت قصد صاحب الشريعة بالنظر في الأمارات الدالة عليه ، كثبوت صدق الراوي ، ولا فرق بينهما .