المسألة الثانية: المحرم لعينه:
وهو ما حرم الشارع الانتفاع به لخاصية في ذاته من ضرر، أو خبث، أو قذارة كالخمر، والخنزير، والميتة، والدم. [ ص: 517 ]
فأكثر الفقهاء كما سبق تحريم وقفه ؛ لأنه ليس مالا شرعا؛ لقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به .
(156) لما رواه من طريق مسلم علقمة بن وائل، عن أبيه وائل الحضرمي طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم الخمر؟ فنهى أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: « إنه ليس بدواء ولكنه داء ». أن
وذهب بعض الحنابلة إلى أنه تصح هبة ما يباح الانتفاع به من النجاسات.
في كشاف القناع: « (واختار جمع: وكلب) أي: تصح هبته، جزم به في المغني والكافي (ونجاسة مباح نفعهما) أي: الكلب والنجاسة، جزم به الحارثي والشارح؛ لأنه تبرع أشبه الوصية به، قال في القاعدة السابعة والثمانين: وليس بين القاضي وصاحب المغني خلاف في الحقيقة؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية، وقد صرح به القاضي في خلافه ».
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجوز الانتفاع بالنجاسات كما جاء في الاختيارات: ويجوز وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه الانتفاع بالنجاسات، في رواية أحمد ابن منصور ، فظاهره جواز وقفه ؛ إذ إن شيخ الإسلام يتوسع في باب الوقف فيجوز وقف المبهم، وغير المقدور على تسليمه، والمعدوم، كما وضحته في شروط صحة الوقف. [ ص: 518 ]
ويدل لهذا:
(157) ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن عطاء بن أبي رباح، رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح - وهو بمكة - : جابر بن عبد الله « إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: « قاتل الله اليهود؛ إن الله كلما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه، فأكلوا ثمنه ».
في الحديث جواز الانتفاع بالنجاسات، وإذا ثبت هذا جاز وقفها.
والخلاصة : أن وقف المحرم لعينه لا تخلو من حالتين:
الحال الأولى: وقفه لما يتضمنه من منافع مباحة، فجائز.
الحال الثانية: وقفه لما يتضمنه من منافع محرمة، فلا يجوز.