المبحث الثاني: شروط الموقوف عليه
وفيه مطالب:
المطلب الأول: الشرط الأول:
nindex.php?page=treesubj&link=4311أن يكون الموقوف عليه مسلما
وعلى هذا إذا وقف على كافر، فموضع خلاف بين أهل العلم:
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الوقف على جهة خاصة:
وفيها أمور:
الأمر الأول:
nindex.php?page=treesubj&link=4311الوقف على الذمي:
إذا وقف على قريب له، أو طائفة محصورة من أهل الذمة، فاختلف أهل العلم في صحة هذا الوقف على قولين:
القول الأول: صحة هذا الوقف.
وهو قول جمهور أهل العلم:
الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. [ ص: 419 ]
القول الثاني: صحة الوقف من المسلم على الذمي بشرط كونه قريبا له وهو وجه في مذهب
الحنابلة.
الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل القائلون بصحة الوقف على جهة خاصة مطلقا بما يلي:
1 - قول الله تعالي:
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وجه الدلالة: أن الله تعالى امتدح الأبرار على إطعامهم الطعام للأسير، والأسير في ذلك الوقت لم يكن إلا مشركا كافرا، فدل ذلك على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=23498الصدقة على الكافر، ومن ذلك الوقف.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري: «ما كان أسراهم إلا المشركين ».
ويقول
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الأبرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الأسير، والأسير قد وصفت صفته، واسم الأسير قد يشتمل على الفريقين، وقد عم الخبر عنهم أنهم يطعمونهم، فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له » إلى أن قال: «وكذلك الأسير معني به أسير المشركين والمسلمين يومئذ، وبعد ذلك إلى قيام الساعة ».
[ ص: 420 ]
2 - قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم .
وجه الدلالة: أن الله تعالى أطلق لفظ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271الفقراء فلم يفرق بين فقير وفقير، فدل على جواز صرف الصدقة إليهم، ومن ذلك الوقف.
3 - قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين وجه الدلالة:
قال
أبو بكر الجصاص: « قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8أن تبروهم وتقسطوا إليهم عمومه في جواز دفع الصدقات إلى أهل الذمة; إذ ليس هم من أهل قتالنا ».
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: « قال المفسرون: وهذه الآية رخصة في
nindex.php?page=treesubj&link=8733صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجواز برهم، وإن كانت الموالاة منقطعة منهم ».
وقال
ابن كثير: « أي: لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم ».
وعلى هذا يكون وجه الدلالة من الآية: أنه لا يحرم علينا البر والإحسان إلى الكفار الذين لم يناصبونا الحرب، ولا ينهانا عن ذلك، بل يجيزه لنا، ويحبه منا، ومن البر والإحسان الصدقة عليهم، يقول
الكاساني: « صرف
[ ص: 421 ] الصدقة إلى أهل الذمة من باب إيصال البر إليهم، وما نهينا عن ذلك، ثم استدل بالآية ».
4 - قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=272ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون سبب نزول الآية: أن المسلمين كانوا يكرهون أن يتصدقوا على أقاربهم من المشركين ليدخلوا في الإسلام حاجة إليها، فنزلت الآية لبيان حصول الثواب بالصدقة على الأقارب وإن كانوا مشركين، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: « هذا رأي الجمهور ».
(123 ) 5 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من طريق
هشام، عن أبيه،
nindex.php?page=hadith&LINKID=652427عن nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك »، وفي لفظ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=658679وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم ».
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بصلة أمها وهي مشركة، فدل على جواز ذلك، ومن أنواع الصلة صدقة التطوع، ومن ذلك الوقف.
(128 ) 6 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر [ ص: 422 ] رضي الله عنهما قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652426رأى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حلة على رجل تباع، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد، فقال: « إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة »، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بحلل، فأرسل إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر منها بحلة، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟، قال: « إني لم أكسكها لتلبسها، تبيعها أو تكسوها »، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم.
وجه الدلالة: أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أرسل بهذه الحلة الحريرية التي أعطاه إياها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أخ مشرك على وجه الصدقة أو الهدية، وأقر على ذلك، فدل على أنه مشروع.
7 - لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18043صلة الرحم محمودة في كل دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق، حتى وإن كان الموصول والمهدى إليه كافرا.
(129 ) 8 - ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور قال: حدثنا
سفيان، عن
أيوب، عن
عكرمة: « أن
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي باعت حجرتها من
معاوية بمائة ألف، وكان لها أخ يهودي فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى، فأوصت له بثلث المائة ».
[ ص: 423 ]
ونوقش: بأنه في الوصية، وليس في الوقف.
9 - أن
nindex.php?page=treesubj&link=25384_23282الوصية للذمي المعين جائزة، فيجوز الوقف عليه كالوصية.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - صحة
nindex.php?page=treesubj&link=4311الوقف على أهل الذمة إذا كانوا جهة خاصة; لقوة دليله، وضعف دليل القول الثاني بمناقشته.
الأمر الثاني:
nindex.php?page=treesubj&link=4311الوقف على المعاهد والمستأمن:
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة الوقف على المعاهد والمستأمن على قولين:
القول الأول: عدم صحة الوقف على المعاهد، والمستأمن.
وبه قال بعض
الشافعية.
وحجته: إلحاقه بالحربي، والحربي لا يصح الوقف عليه.
القول الثاني: صحة الوقف عليهما.
وبه قال بعض
الشافعية.
وحجته: إلحاقهما بالذمي، والذمي يصح الوقف عليه.
جاء في حاشية الجمل على المنهج: « أما المعاهد والمؤمن فيلحقان
[ ص: 424 ] بالحربي على ما جزم به
الدميري، وقال غيره: إنه المفهوم من كلامهم، ورجح
الغزي إلحاقهما بالذمي وهو الأوجه إن حل بدارنا ما دام فيها، فإذا رجع صرف لمن بعده، وخص المصنف في نكت التنبيه الخلاف بقوله: وقفت على زيد الحربي أو المرتد كما يشير إليه كلام الكتاب، أما إذا وقف على الحربيين أو المرتدين فلا يصح قطعا، ورجح السبكي فيمن تحتم قتله بالمحاربة أنه كالزاني المحصن.
ونوقش هذا الاستدلال: بالفرق بين الذمي والمعاهد والمستأمن; إذ الذمي له عهد، ويبذل الجزية، وتجب حمايته.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - عدم صحة الوقف على المعاهد والمستأمن; إذ إلحاقهما بالحربي أقرب من إلحاقهما بالذمي.
الأمر الثالث: الوقف على الحربي، والمرتد:
إذا وقف على جهة خاصة من الحربيين أو المرتدين، كأن يوقف على واحد قريب له، أو طائفة محصورة، فاختلف العلماء في حكم هذا الوقف على قولين:
القول الأول: عدم صحة هذا الوقف.
وهو قول جمهور العلماء:
الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. [ ص: 425 ]
جاء في شرح مختصر خليل
للخرشي: «
nindex.php?page=treesubj&link=4325الوقف على الحربي باطل، وكذلك الصدقة والوصية له باطلة عكس الذمي; لأن ذلك إعانة له على حربه، والمراد بالحربي من كان بدار الحرب كان متصديا للحرب أم لا ».
وجاء في كفاية الأخبار: « الوقف على الحربي والمرتد فإنه لا يصح على الراجح; لأنهما مقتولان فهو وقف على من لا دوام له، فأشبه وقف شيء لا دوام له ».
وفي الشرح الكبير: « (ولا يصح الوقف على حربي ولا مرتد ) ; لأن أموالهم مباحة في الأصل تجوز إزالتها، فما يتجدد لهم أولى، والوقف يجب أن يكون لازما; لأنه تحبيس الأصل ».
وجاء في كشاف القناع: « (ولا ) يصح الوقف أيضا (على حربي، و ) لا على (مرتد ) ; لأن ملكه تجوز إزالته والوقف يجب أن يكون لازما، ولأن إتلاف أنفسهما، والتضييق عليهما واجب، فلا يجوز فعل ما يكون سببا لبقائهما والتوسعة عليهما ».
القول الثاني: صحة هذا الوقف.
وهو وجه في مذهب
الشافعية.
في المجموع: « وفي الوقف على المرتد والحربي وجهان: (أحدهما ) يجوز; لأنه يجوز تمليكه، فجاز الوقف عليه كالذمي.
[ ص: 426 ]
(والثاني) لا يجوز؛ لأن القصد بالوقف نفع الموقوف عليه، والمرتد والحربي مأمور بقتلهما، فلا معنى للوقف عليهما.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل لهذا القول بما يلي:
1 - قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون مع الآية التي قبلها:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين يقول
الجصاص: « قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8أن تبروهم وتقسطوا إليهم عموم في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=23500دفع الصدقات إلى أهل الذمة؛ إذ ليسوا من أهل قتالنا، وفيه النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=23501الصدقة على أهل الحرب؛ لقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين » 2 - لا يجوز صرف الصدقة للحربي؛ لأن في ذلك إعانة لهم على قتالنا، وهذا لا يجوز، وهذا المعنى لم يوجد في الذمي.
3 - انتفاء قصد القربة ؛ فإنها منتفية عمن هو مقتول شرعا، وليس على دين الإسلام.
[ ص: 427 ]
4 - أن في الوقف عليهما منابذة لعزة الإسلام؛ لتمام معاندتهما له من أكثر من وجه.
5 - أن إتلاف أنفسهما والتضييق عليهما واجب، فلا يجوز ما يكون سببا لبقائهما، والتوسعة عليهما.
6 - ولأن القصد بالوقف نفع الموقوف عليه، والمرتد والحربي مأمور بقتلهما، فلا معنى للوقف عليهما.
7 - لأن ملكه تجوز إزالته والوقف يجب أن يكون لازما.
دليل القول الثاني: (صحة الوقف على الحربي والمرتد) :
استدل القائلون بصحة الوقف على الحربي والمرتد: بجواز تمليكهما، والمراعى في الوقف التمليك وليس القربة.
ونوقش: بعدم التسليم، بل القربة شرط لصحة الوقف، كما تقدم في مبحث اشتراط القربة لصحة الوقف.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - القول بعدم صحة الوقف على الحربيين والمرتدين؛ لقوة دليله، وضعف القول الآخر بمناقشته.
الْمَبْحَثُ الثَّانِي: شُرُوطُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ
وَفِيهِ مَطَالِبُ:
الْمَطْلَبُ الْأَوَّلُ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ:
nindex.php?page=treesubj&link=4311أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا
وَعَلَى هَذَا إِذَا وَقَفَ عَلَى كَافِرٍ، فَمَوْضِعُ خِلَافٍ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ:
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ:
وَفِيهَا أُمُورٌ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ:
nindex.php?page=treesubj&link=4311الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ:
إِذَا وَقَفَ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ، أَوْ طَائِفَةٍ مَحْصُورَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: صِحَّةُ هَذَا الْوَقْفِ.
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ:
الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. [ ص: 419 ]
الْقَوْلُ الثَّانِي: صِحَّةُ الْوَقْفِ مِنَ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِشَرْطِ كَوْنِهِ قَرِيبًا لَهُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ
الْحَنَابِلَةِ.
الْأَدِلَّةُ:
أَدِلَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ مُطْلَقًا بِمَا يَلِي:
1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالِي:
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَدَحَ الْأَبْرَارَ عَلَى إِطْعَامِهِمِ الطَّعَامَ لِلْأَسِيرِ، وَالْأَسِيرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مُشْرِكًا كَافِرًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=23498الصَّدَقَةِ عَلَى الْكَافِرِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «مَا كَانَ أَسْرَاهُمْ إِلَّا الْمُشْرِكِينَ ».
وَيَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ: «وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يُطْعِمُونَ الْأَسِيرَ، وَالْأَسِيرُ قَدْ وُصِفَتْ صِفَتُهُ، وَاسْمُ الْأَسِيرِ قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ عَمَّ الْخَبَرُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُطْعِمُونَهُمْ، فَالْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ » إِلَى أَنْ قَالَ: «وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ مَعْنِيٌّ بِهِ أَسِيرُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ».
[ ص: 420 ]
2 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ لَفْظَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271الْفُقَرَاءَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَقِيرٍ وَفَقِيرٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صَرْفِ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ.
3 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ:
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ: « قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ عُمُومُهُ فِي جَوَازِ دَفْعِ الصَّدَقَاتِ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ; إِذْ لَيْسَ هُمْ مِنْ أَهْلِ قِتَالِنَا ».
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ: « قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=8733صِلَةِ الَّذِينَ لَمْ يَنْصِبُوا الْحَرْبَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَوَازُ بِرِّهِمْ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُوَالَاةُ مُنْقَطِعَةً مِنْهُمْ ».
وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ: « أَيْ: لَا يَنْهَاكُمْ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْكَفَرَةِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ فِي الدِّينِ كَالنِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ مِنْهُمْ ».
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا الْبِرُّ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُنَاصِبُونَا الْحَرْبَ، وَلَا يَنْهَانَا عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يُجِيزُهُ لَنَا، وَيُحِبُّهُ مِنَّا، وَمِنَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ
الْكَاسَانِيُّ: « صَرْفُ
[ ص: 421 ] الصَّدَقَةِ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ بَابِ إِيصَالِ الْبِرِّ إِلَيْهِمْ، وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ ».
4 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=272لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مَنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهَ وَمَا تُنْفِقُوا مَنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى أَقَارِبِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ حَاجَةً إِلَيْهَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ لِبَيَانِ حُصُولِ الثَّوَابِ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ: « هَذَا رَأْيُ الْجُمْهُورِ ».
(123 ) 5 - مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=652427عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قَدِمْتُ عَلَى أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: إِنَّ أُمِّيَ قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ »، وَفِي لَفْظٍ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=658679وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ ».
وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءَ بِصِلَةِ أُمِّهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَمِنْ أَنْوَاعِ الصِّلَةِ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ.
(128 ) 6 - مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [ ص: 422 ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652426رَأَى nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ حُلَّةً عَلَى رَجُلٍ تُبَاعُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ تَلْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْوَفْدُ، فَقَالَ: « إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ »، فَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟، قَالَ: « إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، تَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوهَا »، فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْسَلَ بِهَذِهِ الْحُلَّةِ الْحَرِيرِيَّةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَخٍ مُشْرِكٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ أَوِ الْهَدِيَّةِ، وَأُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ.
7 - لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18043صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ فِي كُلِّ دِينٍ، وَالْإِهْدَاءُ إِلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْمَوْصُولُ وَالْمُهْدَى إِلَيْهِ كَافِرًا.
(129 ) 8 - مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ: « أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=199صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ بَاعَتْ حُجْرَتَهَا مِنْ
مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ يَهُودِيٌّ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ فَيَرِثَ فَأَبَى، فَأَوْصَتْ لَهُ بِثُلُثِ الْمِائَةِ ».
[ ص: 423 ]
وَنُوقِشَ: بِأَنَّهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْوَقْفِ.
9 - أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25384_23282الْوَصِيَّةَ لِلذِّمِّيِّ الْمُعَيَّنِ جَائِزَةٌ، فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ.
التَّرْجِيحُ:
الرَّاجِحُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - صِحَّةُ
nindex.php?page=treesubj&link=4311الْوَقْفِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا كَانُوا جِهَةً خَاصَّةً; لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَضِعْفِ دَلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي بِمُنَاقَشَتِهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي:
nindex.php?page=treesubj&link=4311الْوَقْفُ عَلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَاهَدِ، وَالْمُسْتَأْمَنِ.
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ.
وَحُجَّتُهُ: إِلْحَاقُهُ بِالْحَرْبِيِّ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا.
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ
الشَّافِعِيَّةِ.
وَحُجَّتُهُ: إِلْحَاقُهُمَا بِالذِّمِّيِّ، وَالذِّمِّيُّ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَى الْمَنْهَجِ: « أَمَّا الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ فَيَلْحَقَانِ
[ ص: 424 ] بِالْحَرْبِيِّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ
الدَّمِيرِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَرَجَّحَ
الْغَزِّيُّ إِلْحَاقَهُمَا بِالذِّمِّيِّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ إِنْ حَلَّ بِدَارِنَا مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا رَجَعَ صُرِفَ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ الْحَرْبِيِّ أَوِ الْمُرْتَدِّ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَلَامُ الْكِتَابِ، أَمَّا إِذَا وَقَفَ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ أَنَّهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ.
وَنُوقِشَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ; إِذِ الذِّمِّيُّ لَهُ عَهْدٌ، وَيَبْذُلُ الْجِزْيَةَ، وَتَجِبُ حِمَايَتُهُ.
التَّرْجِيحُ:
الرَّاجِحُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ; إِذْ إِلْحَاقُهُمَا بِالْحَرْبِيِّ أَقْرَبُ مِنْ إِلْحَاقِهِمَا بِالذِّمِّيِّ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْوَقْفُ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ:
إِذَا وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ، كَأَنْ يُوقِفَ عَلَى وَاحِدٍ قَرِيبٍ لَهُ، أَوْ طَائِفَةٍ مَحْصُورَةٍ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْوَقْفِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ.
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ:
الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. [ ص: 425 ]
جَاءَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ
لِلْخَرْشِيِّ: «
nindex.php?page=treesubj&link=4325الْوَقْفُ عَلَى الْحَرْبِيِّ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالْوَصِيَّةُ لَهُ بَاطِلَةٌ عَكْسُ الذِّمِّيِّ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِعَانَةً لَهُ عَلَى حَرْبِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ مَنْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ كَانَ مُتَصَدِّيًا لِلْحَرْبِ أَمْ لَا ».
وَجَاءَ فِي كِفَايَةِ الْأَخْبَارِ: « الْوَقْفُ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الرَّاجِحِ; لِأَنَّهُمَا مَقْتُولَانِ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى مَنْ لَا دَوَامَ لَهُ، فَأَشْبَهَ وَقْفَ شَيْءٍ لَا دَوَامَ لَهُ ».
وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: « (وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ ) ; لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ تَجُوزُ إِزَالَتُهَا، فَمَا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ أَوْلَى، وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا; لِأَنَّهُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ ».
وَجَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: « (وَلَا ) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا (عَلَى حَرْبِيٍّ، وَ ) لَا عَلَى (مُرْتَدٍّ ) ; لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجُوزُ إِزَالَتُهُ وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا، وَلِأَنَّ إِتْلَافَ أَنْفُسِهِمَا، وَالتَّضْيِيقَ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَائِهِمَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمَا ».
الْقَوْلُ الثَّانِي: صِحَّةُ هَذَا الْوَقْفِ.
وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ
الشَّافِعِيَّةِ.
فِي الْمَجْمُوعِ: « وَفِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ، فَجَازِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ.
[ ص: 426 ]
(وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَقْفِ نَفْعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِمَا، فَلَا مَعْنَى لِلْوَقْفِ عَلَيْهِمَا.
الْأَدِلَّةُ:
أَدِلَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ:
اسْتُدِلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا يَلِي:
1 - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يَقُولُ
الْجَصَّاصُ: « قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=8أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ عُمُومٌ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=23500دَفْعِ الصَّدَقَاتِ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ إِذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ قِتَالِنَا، وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=23501الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=9إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ » 2 - لَا يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ لِلْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعَانَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي الذِّمِّيِّ.
3 - انْتِفَاءُ قَصْدِ الْقُرْبَةِ ؛ فَإِنَّهَا مُنْتَفِيَةٌ عَمَّنْ هُوَ مَقْتُولٌ شَرْعًا، وَلَيْسَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ.
[ ص: 427 ]
4 - أَنَّ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا مُنَابَذَةً لِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِتَمَامِ مُعَانَدَتِهِمَا لَهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ.
5 - أَنَّ إِتْلَافَ أَنْفُسِهِمَا وَالتَّضْيِيقَ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَائِهِمَا، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمَا.
6 - وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَقْفِ نَفْعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِمَا، فَلَا مَعْنَى لِلْوَقْفِ عَلَيْهِمَا.
7 - لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجُوزُ إِزَالَتُهُ وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا.
دَلِيلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: (صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ) :
اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ: بِجَوَازِ تَمْلِيكِهِمَا، وَالْمُرَاعَى فِي الْوَقْفِ التَّمْلِيكُ وَلَيْسَ الْقُرْبَةَ.
وَنُوقِشَ: بِعَدَمِ التَّسْلِيمِ، بَلِ الْقُرْبَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ اشْتِرَاطِ الْقُرْبَةِ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ.
التَّرْجِيحُ:
الرَّاجِحُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ؛ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَضَعْفِ الْقَوْلِ الْآخَرِ بِمُنَاقَشَتِهِ.