الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : النصيحة لله فرض ونافلة

قال الإمام الحافظ ابن رجب : وقد حكى أبو عبد الله محمد بن نصر المروذي في كتاب تعظيم قدر الصلاة عن بعض أهل العلم أنه فسر حديث { الدين النصيحة } بما لا مزيد عليه . وحاصله أن النصيحة عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان ، وهي على وجهين : أحدهما فرض وهي لله شدة العناية من [ ص: 46 ] الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض ومجانبة ما حرم ، والثاني نفل وهي إيثار محبته على محبة نفسه ، وذلك أن يعرض أمران أحدهما لنفسه والآخر لربه فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه ، فهذه جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه والنافلة .

وإيضاح ذلك أن الفرض من النصيحة مجانبة نهيه وإقامة فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقا له ، فإن عجز عن الإقامة لفرضه لآفة حلت به من مرض أو حبس أو غير ذلك عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت العلة المانعة له قال تعالى { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } - إلى قوله - { إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل } فسماهم محسنين لنصحهم لله بقلوبهم لما منعوا من الجهاد بأنفسهم وقد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات ولا ترفع عنه النصيحة لله .

فلو كان مريضا لا يمكنه عمل شيء من جوارحه من لسان ولا غيره غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه ، وهو أن يندم على ذنوبه وأن ينوي إذا صح أن يقوم بما افترض الله عليه ويجتنب ما نهاه عنه وإلا كان غير ناصح لله بقلبه . وكذلك النصح لرسوله فيما أوجبه على الناس عن أمر ربه .

قال الإمام الحافظ ابن رجب : ومن النصح الواجب أن لا يرضى بمعصية العاصي ويحب طاعة من أطاع الله ورسوله . قلت : ولو كان هو العاصي يجب عليه كراهية المعصية . وهذا معنى قول بعضهم ( يجب على من بيده الكأس أن ينكر على الجلاس ) إلى أن قال : وأما النصيحة للمسلمين فبأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ويشفق عليهم ، ويرحم صغيرهم ، ويوقر كبيرهم ، ويحزن لحزنهم ، ويفرح لفرحهم ، وإن ضره ذلك في دنياه كرخص أسعارهم ، وإن كان فيه فوات ربح ما يبيع من تجارة ، وكذلك جميع ما يضرهم عامة ، ويجب صلاحهم وألفتهم ودوام النعم عليهم ، ونصرتهم على عدوهم . ودفع كل أذى ومكروه عنهم .

وقال ابن الصلاح : النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية