( تنبيهات ) :
( الأول ) : في الكفاءة روايتان عن الإمام أحمد رضي الله عنه .
إحداهما أنها شرط لصحة النكاح ، فإذا فاتت لم يصح وإن رضي أولياء الزوجة وهي به ، لما روى الدارقطني بإسناده عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ، ولا يزوجهن إلا الأولياء } . [ ص: 408 ]
وقال عمر رضي الله عنه " لأمنعن فروج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء ولأنه تصرف يتضرر به من لم يرض به فلم يصح ، كما لو زوجها وليها بغير رضاها .
وقال سلمان لجرير : إنكم معشر العرب لا يتقدم في صلاتكم ، ولا تنكح نساؤكم . إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم .
والرواية الثانية أن الكفاءة ليست شرطا ، وهي المذهب . نعم هي شرط للزوم النكاح . قال في الإقناع كغيره : والكفاءة في زوج شرط للزوم النكاح لا لصحته فيصح مع فقدها فهي حق للمرأة والأولياء كلهم حتى من يحدث ، فلو زوجت بغير كفء فلمن لم يرض الفسخ من المرأة والأولياء جميعهم فورا ومتراخيا . ويملكه الأبعد مع رضا الأقرب والزوجة . نعم لو زالت الكفاءة بعد العقد اختص الخيار بالزوجة فقط .
والكفاءة معتبرة في خمسة أشياء : أحدها : الدين ، فلا يكون الفاجر والفاسق كفؤا لعفيف عدل .
الثاني : المنصب وهو النسب ، فلا يكون الأعجمي وهو من ليس من العرب كفؤا لعربية .
( الثالث ) : الحرية ، فلا يكون العبد ولو مبعضا كفؤا لحرة ولو عتيقة .
( الرابع ) : الصناعة ، فلا يكون صاحب صناعة دنيئة كحجامة ، وحياكة ، وزبال ، وكساح كفؤا لبنت من هو صاحب صناعة جليلة كالتاجر والبزاز وصاحب العقار .
( الخامس ) : اليسار بمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة . قال ابن عقيل بحيث لا تتغير عليها عادتها عند أبيها في بيته ، فلا يكون العسر كفؤا لموسرة ، وليس مولى القوم كفؤا لهم ، ويحرم تزويجها بغير كفء إلا برضاها ويفسق به الولي ، ويسقط خيارها بما يدل على الرضا من قول أو فعل . وأما الأولياء فلا يسقط إلا بالقول ، ولا تعتبر هذه الصفات في المرأة فليست الكفاءة شرطا في حقها للرجل .
الثاني : من قال إن الكفاءة شرط لصحة النكاح كالشافعية ، والرواية [ ص: 409 ] المرجوحة عندنا محجوج بأن { النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيدا مولاه ابنة عمته زينب بنت جحش ، وزوج ابنه أسامة رضي الله عنه فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية } رواه مسلم .
وقالت عائشة رضي الله عنها : إن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هندا ابنة الوليد بن عتبة بن ربيعة ، أخرجه البخاري .
( الثالث ) : العرب بعضهم لبعض أكفاء ، والعجم بعضهم لبعض أكفاء . لأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة ابنة الزبير عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج أبو بكر أخته الأشعث بن قيس الكندي ، وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم . فبنو هاشم كغيرهم من العرب .
وذكر الشافعي أن غير المنتسب إلى العلماء والصلحاء المشهورين ليس كفؤا للمنتسب إليهما ، وليس المحترف كفؤا لبنت العالم .
وعن الإمام أحمد رضي الله عنه أن الكفاءة الدين والنسب ، اختاره الخرقي .
وقال بعض متأخري الأصحاب : إذا قلنا الكفاءة لحق الله اعتبر الدين فقط ، وأنشدوا في ذلك :
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم وليس على عبد تقي نقيصة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم


