مطلب : فيمن أحدث مقاصير في المساجد .
الثامن : رفع لشيخ الإسلام
ابن تيمية سؤال فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=27132أحدث مقاصير في المساجد ويخصص بها دون غيره ، أو جعلها له ولغيره ، فهل يجوز ذلك أم لا ، وهل على ولي الأمر منعه ؟ .
أجاب رضي الله عنه : ليس لأحد أن يختص بمكان من المسجد بحيث يمنعه غيره في أوقات العبادات ، فكيف بمن يتخذ مقصورة في المسجد بمنزلة البيت الذي يقيم فيه ويمنع غيره من دخوله ، فإن هذا غير جائز بلا نزاع ، بل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27526كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن توطن المكان في المسجد كما يوطن البعير } .
قال ولهذا نهى العلماء عن أن
nindex.php?page=treesubj&link=27132يتخذ الرجل مكانا من المسجد لا يصلي إلا فيه ، وجعلوا هذا من الاختصاص المنهى عنه ; لما في ذلك من الفساد ، مثل كون الرجل إذا رأى غيره سبقه إليه في الصلاة أو غيرها أبغضه أو سبه أو عاداه .
والسنة في المسجد أن من سبق إلى بقعة منه لعمل
[ ص: 328 ] جائز فهو أحق بها حتى يقوم .
والسنة في الصلاة أن يسد الصف الأول فالأول ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1696ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ، قال يسدون الأول فالأول ، ويتراصون في الصف } فمن سبق إلى الصف الأول فهو أحق به ما دام في الصلاة .
ولو سبق إلى سارية فهو أحق بها بذلك إلا أن يكون هناك مصلي يريد أن يصلي إلى السارية فإنه أحق به ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : المصلون أحق بالسواري من غيرهم ، وهذا عند الازدحام .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=27132أراد الاعتكاف في المسجد فهو أحق بمعتكفه ما دام معتكفا ، فإن الاعتكاف عبادة مختص بالمسجد .
ولو احتاج أن يجعل له في اعتكافه ما يستره من الناس مثل الحجرة الذي احتجرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يعتكف كان ذلك مشروعا ، بل كان
السلف ينصبون
nindex.php?page=treesubj&link=2573_2563الخيام في المساجد مدة الاعتكاف للرجال والنساء ، فهذا مشروع .
وكذلك لو أقام الرجل في المسجد مدة إقامة مشروعة ، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم
لوفد ثقيف أن ينزلوا بالمسجد ليكون أرق لقلوبهم وأقرب إلى دخول الإيمان فيها ، وكما مرض
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ رضي الله عنه في المسجد ليكون أسهل لعيادته وكالمرأة التي كانت تقم المسجد وكان لها حفش فيه ، أي والحفش - كما في المطالع بالحاء المهملة والفاء فشين معجمة - الدرج وجمعه حفاش . وفي الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38957هلا جلس في حفش أمه أي بيتها } . شبه بيت أمه في صغره به . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : هو البيت القريب السمك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله عنه : هو الصغير الخرب . وقيل : الحفش شبه القبة ، تجمع فيه المرأة غزلها وسقطها ، كالدرج يصنع من الخوص يشبه به البيت الصغير الحقير . انتهى .
قال
شيخ الإسلام : فإذا احتاج أحد هؤلاء إلى سترة كخيمة
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد وحفش المرأة كان جائزا .
فأما أن يتخذ المسجد مسكنا دائما ويتخذه مبيتا ومقيلا ويختص بالحجرة اختصاص أهل الدور بدورهم دائما فهذا يقرب من إخراج هذه البقعة عن حكم المسجد .
ولهذا تنازع الفقهاء الذين يشترطون في الجمعة كأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في
nindex.php?page=treesubj&link=1017صحة الجمعة في مثل هذه المقاصير على قولين .
وتنازع من لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=24348الصلاة في الأرض المغصوبة كإحدى
[ ص: 329 ] الروايتين عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه في صحة هؤلاء مطلقا في الأماكن المتحجرة في المسجد على قولين ، ولم يتنازعوا في أن فاعل ذلك آثم عاص يجب منعه من ذلك بل له أثر نصيب من قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=114ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم }
فإن هذه البقاع من المساجد ، فإذا منع من له فيها حق أن يذكر فيها اسم الله بصلاة أو قراءة أو دعاء أو ذكر أو تعلم أو تعليم كان ذلك نوعا مما تناولته الآية .
وكذلك تخريب المساجد ضد عمارتها ، وليست عمارتها المحمودة بمجرد بنيان الحيطان والسقوف ، فإن ذلك يصح من الكافر والفاسق .
وقد قال - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم ، وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر } الآية .
وفي
الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10026إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ; لأن الله يقول : { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إنما يعمر مساجد الله } الآية } . قلت : رواه
الترمذي كما قال
شيخ الإسلام من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقال : حديث حسن غريب ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحيهما
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من طريق
دراج أبي السمح عن
أبي الهيثم عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم صحيح الإسناد .
وفي أوسط
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6609أن عمار بيوت الله هم أهل الله عز وجل } . وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35652من ألف المسجد ألفه } .
وأخرج الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12074إن للمساجد أوتادا الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدوهم ، وإن مرضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم } .
مطلب : جليس المسجد على ثلاث خصال .
ثم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17732nindex.php?page=treesubj&link=23842جليس المسجد على ثلاث خصال : أخ مستفاد ، أو كلمة محكمة ، أو رحمة منتظرة } ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام رضي الله عنه دون قوله جليس المسجد إلى آخره . وقال : صحيح الإسناد على شرطهما .
[ ص: 330 ] وأخرج الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11090 : إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم ، يأخذ الشاة القاصية والناحية ، فإياكم والشعاب ، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد } إلى غير ما ذكرنا من الأحاديث الواردة في هذا الباب .
قال
شيخ الإسلام : فبين أن إقامة الجماعة فيها عمارة لها ، وهذا النهي كله لمن يقتصر في الأمكنة المتحجرة على ما يشرع في المسجد من العبادات وغير ذلك ، فأما إذا فعل فيها المحظورات من الأقوال المحرمة والأفعال المحرمة كمقدمات الفواحش وتناول المنكرات وغير ذلك فلا يستريب مسلم في النهي عن ذلك .
وإن كانت هذه المقاصير مظنة لهذه المحرمات وقد شهر ذلك كان ذلك بلا ريب موجبا لحسم المادة والمنع من أن يكون في المساجد ما نهى الله عنه ورسوله .
وليس هذا من باب الحدود التي تتوقف على البينة والإقرار ، بل هو من باب الصيانة والاحتياط والذرائع كاتقاء مواقف التهم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42516ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين رآهما ، وهو مع امرأته صفية إنها nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي ، فقالا سبحان الله يا رسول الله ، فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا } .
وكما بلغ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن رجلا تجالسه الأحداث فنهى عن مجالسته .
وكما نفى (
نصر بن الحجاج ) لما خاف افتتان الناس به .
وكما نهى عن الخلوة بالأجنبية والسفر بها وأمثال ذلك ، فإن الفعل إذا كان مظنة مفسدة ، ولم يكن هناك مصلحة راجحة فإنه ينهى عنه شرعا ، وعلى ولاة الأمور القيام في ذلك بما أمر الله ورسوله ، والنهي عما نهى الله عنه ورسوله ، وتقلع هذه المقاصير ، كما قلع أمثالها في جامع
دمشق وجامع الحاكم
بمصر وغيرهما ، فإنه كان هناك أمثال هذه المقاصير حتى قلعه من ولاة الأمور من حمده الناس على ذلك ورأوا فعله من أحسن الحسنات وأعظم
[ ص: 331 ] القربات بل من الأفعال الواجبات .
وإذا قامت فإنها تصرف في مصالح المسجد ، فإن نفعت في عمارته وإلا بيعت وانتفع المسجد بأثمانها . انتهى والله أعلم
مَطْلَبٌ : فِيمَنْ أَحْدَثَ مَقَاصِيرَ فِي الْمَسَاجِدِ .
الثَّامِنُ : رُفِعَ لِشَيْخِ الْإِسْلَام
ابْنِ تَيْمِيَّةَ سُؤَالٌ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27132أَحْدَثَ مَقَاصِيرَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُخَصَّصُ بِهَا دُونَ غَيْرِهِ ، أَوْ جَعَلَهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا ، وَهَلْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُ ؟ .
أَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَكَانٍ مِنْ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ غَيْرَهُ فِي أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَّخِذُ مَقْصُورَةً فِي الْمَسْجِدِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ دُخُولِهِ ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا نِزَاعٍ ، بَلْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27526كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ تَوَطُّنِ الْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطَّنُ الْبَعِيرُ } .
قَالَ وَلِهَذَا نَهَى الْعُلَمَاءُ عَنْ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27132يَتَّخِذُ الرَّجُلُ مَكَانًا مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي إلَّا فِيهِ ، وَجَعَلُوا هَذَا مِنْ الِاخْتِصَاصِ الْمُنْهَى عَنْهُ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ ، مِثْلُ كَوْنِ الرَّجُلِ إذَا رَأَى غَيْرَهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا أَبْغَضَهُ أَوْ سَبَّهُ أَوْ عَادَاهُ .
وَالسُّنَّةُ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى بُقْعَةٍ مِنْهُ لِعَمَلٍ
[ ص: 328 ] جَائِزٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يَقُومَ .
وَالسُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُسَدَّ الصَّفُّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1696أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ، قَالَ يَسُدُّونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ } فَمَنْ سَبَقَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ .
وَلَوْ سَبَقَ إلَى سَارِيَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُصَلِّي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى السَّارِيَةِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَهَذَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=27132أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَحَقُّ بِمُعْتَكَفِهِ مَا دَامَ مُعْتَكِفًا ، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْجِدِ .
وَلَوْ احْتَاجَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي اعْتِكَافِهِ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ مِثْلَ الْحُجْرَةِ الَّذِي احْتَجَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ يَعْتَكِفُ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا ، بَلْ كَانَ
السَّلَفُ يَنْصِبُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=2573_2563الْخِيَامَ فِي الْمَسَاجِدِ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَهَذَا مَشْرُوعٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ مُدَّةَ إقَامَةٍ مَشْرُوعَةٍ ، كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِوَفْدِ ثَقِيفٍ أَنْ يَنْزِلُوا بِالْمَسْجِدِ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ وَأَقْرَبَ إلَى دُخُولِ الْإِيمَانِ فِيهَا ، وَكَمَا مَرِضَ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِعِيَادَتِهِ وَكَالْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِيهِ ، أَيْ وَالْحِفْشُ - كَمَا فِي الْمَطَالِعِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ - الدَّرَجُ وَجَمْعُهُ حِفَاشٌ . وَفِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38957هَلَّا جَلَسَ فِي حِفْشِ أُمِّهِ أَيْ بَيْتِهَا } . شَبَّهَ بَيْتَ أُمِّهِ فِي صِغَرِهِ بِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هُوَ الْبَيْتُ الْقَرِيبُ السَّمْكِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هُوَ الصَّغِيرُ الْخَرِبُ . وَقِيلَ : الْحِفْشُ شَبَهُ الْقُبَّةِ ، تَجْمَعُ فِيهِ الْمَرْأَةُ غَزْلَهَا وَسَقَطَهَا ، كَالدَّرَجِ يُصْنَعُ مِنْ الْخُوصِ يُشَبَّهُ بِهِ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الْحَقِيرُ . انْتَهَى .
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ : فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ إلَى سُتْرَةٍ كَخَيْمَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدٍ وَحِفْشِ الْمَرْأَةِ كَانَ جَائِزًا .
فَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ مَسْكَنًا دَائِمًا وَيَتَّخِذَهُ مَبِيتًا وَمَقِيلًا وَيَخْتَصَّ بِالْحُجْرَةِ اخْتِصَاصَ أَهْلِ الدُّورِ بِدُورِهِمْ دَائِمًا فَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ إخْرَاجِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ .
وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْجُمُعَةِ كَأَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1017صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ .
وَتَنَازَعَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ
nindex.php?page=treesubj&link=24348الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ كَإِحْدَى
[ ص: 329 ] الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِحَّةِ هَؤُلَاءِ مُطْلَقًا فِي الْأَمَاكِنِ الْمُتَحَجِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ آثِمٌ عَاصٍ يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَهُ أَثَرُ نَصِيبٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=114وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
فَإِنَّ هَذِهِ الْبِقَاعَ مِنْ الْمَسَاجِدِ ، فَإِذَا مُنِعَ مَنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ أَنْ يَذْكَرَ فِيهَا اسْمَ اللَّهِ بِصَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ تَعْلِيمٍ كَانَ ذَلِكَ نَوْعًا مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ .
وَكَذَلِكَ تَخْرِيبُ الْمَسَاجِدِ ضِدُّ عِمَارَتِهَا ، وَلَيْسَتْ عِمَارَتُهَا الْمَحْمُودَةُ بِمُجَرَّدِ بُنْيَانِ الْحِيطَانِ وَالسُّقُوفِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ، وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ .
وَفِي
التِّرْمِذِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10026إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ } الْآيَةَ } . قُلْت : رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ كَمَا قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ nindex.php?page=showalam&ids=13114وَابْنُ خُزَيْمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا
nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ
دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ
أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ .
وَفِي أَوْسَطِ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6609أَنَّ عُمَّارَ بُيُوتِ اللَّهِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } . وَفِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35652مَنْ أَلِفَ الْمَسْجِدَ أَلِفَهُ } .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12074إنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ ، إنْ غَابُوا يَفْتَقِدُوهُمْ ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ } .
مَطْلَبٌ : جَلِيسُ الْمَسْجِدِ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ .
ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17732nindex.php?page=treesubj&link=23842جَلِيسُ الْمَسْجِدِ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ : أَخٌ مُسْتَفَادٌ ، أَوْ كَلِمَةٌ مُحْكَمَةٌ ، أَوْ رَحْمَةٌ مُنْتَظَرَةٌ } وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ قَوْلِهِ جَلِيسُ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ . وَقَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِهِمَا .
[ ص: 330 ] وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11090 : إنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ } إلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ .
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ : فَبَيَّنَ أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا عِمَارَةٌ لَهَا ، وَهَذَا النَّهْيُ كُلُّهُ لِمَنْ يَقْتَصِرُ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمُتَحَجِّرَةِ عَلَى مَا يُشْرَعُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَأَمَّا إذَا فَعَلَ فِيهَا الْمَحْظُورَاتِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَمُقَدِّمَاتِ الْفَوَاحِشِ وَتَنَاوُلِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَرِيبُ مُسْلِمٌ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَاصِيرُ مَظِنَّةً لِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَدْ شُهِرَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ مُوجِبًا لِحَسْمِ الْمَادَّةِ وَالْمَنْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسَاجِدِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ .
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحُدُودِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الصِّيَانَةِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالذَّرَائِعِ كَاتِّقَاءِ مَوَاقِفِ التُّهَمِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42516وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا ، وَهُوَ مَعَ امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ إنَّهَا nindex.php?page=showalam&ids=199صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا } .
وَكَمَا بَلَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا تُجَالِسُهُ الْأَحْدَاثُ فَنَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ .
وَكَمَا نَفَى (
نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ ) لَمَّا خَافَ افْتِتَانَ النَّاسِ بِهِ .
وَكَمَا نَهَى عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالسَّفَرِ بِهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ مُفْسِدَةٍ ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ فَإِنَّهُ يَنْهَى عَنْهُ شَرْعًا ، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَالنَّهْيُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ ، وَتُقْلَعُ هَذِهِ الْمَقَاصِيرُ ، كَمَا قُلِعَ أَمْثَالُهَا فِي جَامِعِ
دِمَشْقَ وَجَامِعِ الْحَاكِمِ
بِمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّهُ كَانَ هُنَاكَ أَمْثَالُ هَذِهِ الْمَقَاصِيرِ حَتَّى قَلَعَهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ مَنْ حَمِدَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَرَأَوْا فِعْلَهُ مِنْ أَحْسَنِ الْحَسَنَاتِ وَأَعْظَمِ
[ ص: 331 ] الْقُرُبَاتِ بَلْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَاتِ .
وَإِذَا قَامَتْ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ ، فَإِنْ نَفَعَتْ فِي عِمَارَتِهِ وَإِلَّا بِيعَتْ وَانْتَفَعَ الْمَسْجِدُ بِأَثْمَانِهَا . انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ