وما أحسن قول الخليفة العباسي عبد الله بن المعتز وهو أول من اخترع علم البديع حيث يقول في تائيته :
وكنت امرأ مني التصابي الذي يرى وقد بلغت سني النهى فتناهيت وقلت أيا نفسي وهل بعد شيبة
نذير فما عذري إذا ما تماديت وقد أبصرت عيني المنية تنتضي
سيوف مشيبي فوق رأسي فأشفيت فخليت شيطان التصابي لأهله
وأدبرت عن شأن الغوي ووليت وقالوا مشيب الرأس يحدو إلى الردى
فقلت أراني قد قربت ودانيت تبدل قلبي ما تبدل مفرقي
بياض النقا فقد نزعت وأبقيت
وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي في جزئه تنبيه النائم الغمر على موسم العمر لنفسه : [ ص: 429 ]
قد رأيت المشيب نورا تبدى نور الطرق ثم ما إن تعدى
إن ثوب الشباب عارية عندي فجاء المعير حتى استردا
جاءني ناصح أتاني نذير بياض أراني الأمر جدا
دع حديث الصبا ورامة والغور ونجد يا سعد واهجر سعدا
ثم خلي حديث ليلى ونعم وسعاد ودع فديتك دعدا
وتزود زاد الشتاء فقد فات ربيع ضيعت فيه الوردا
قف على الباب سائلا عفو مولاك فما إن يراك يرحم عبدا
ولي من قصيدة :
أفق يا قلب من خمر التصابي فقد آن الرحيل وأنت صابي
وباد العمر في حب الغواني وربات البراقع والنقاب
فمن سن الصبا في اللهو حتى بدا وازفرتي هذا التغابي
وأخبار الشيب أكثر من أن تذكر ، وأشهر من أن تشهر ، وفيما ذكرنا كفاية لمن أدركته العناية .