وقد جاء في عدة أخبار ، عن النبي المختار ، وجملة آثار ، عن مدح العزلة السلف الأخيار ، فقد روى البخاري وغيرهما عن ومسلم رضي الله عنه قال { أبي سعيد الخدري يا رسول الله ؟ قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله . قال ثم من ؟ قال : رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه أي الناس أفضل } - وفي رواية لهما { : قال رجل } . ورواه - يتقي الله ويدع الناس من شره بإسناد على شرطهما بلفظ { الحاكم } . أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال : مؤمن يجاهد بنفسه وماله ، ورجل يعبد ربه في شعب من الشعاب وقد كفى الناس شره
وفي صحيح عن مسلم قال { عامر بن سعد في إبله ، فجاءه ابنه سعد بن أبي وقاص فلما رآه عمر قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فنزل فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك ، فضربه سعد في صدره وقال : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي سعد } . قال : كان الحافظ المنذري : أي الغني النفس القنوع .
وروى الإمام أحمد والطبراني في صحيحه وابن خزيمة واللفظ له عن وابن حبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { معاذ بن جبل } وعند من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ، ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ، ومن دخل على إمام يعزره كان ضامنا على الله ، ومن جلس في بيته لم يغتب إنسانا كان ضامنا على الله { الطبراني } وهو عند أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم هو من الناس أبي داود بنحوه . ورواه أيضا في الأوسط من حديث الطبراني رضي الله عنها ولفظه : قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عائشة } . خصال ست ما من مسلم [ ص: 463 ] يموت في واحدة منهن إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة ، فذكر منها ورجل في بيته لا يغتاب المسلمين ولا يجر إليهم سخطا ولا نقمة
وروى أيضا في الأوسط والصغير وحسن إسناده عن قال : رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثوبان } . طوبى لمن ملك لسانه ، ووسعه بيته ، وبكى على خطيئته والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا عن والبيهقي رضي الله عنه قال { عقبة بن عامر } . قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك
وروى أيضا بإسناد مقارب عن الطبراني رضي الله عنه مرفوعا { عمران بن حصين } . ورواه من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنه ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها في الثواب وله شواهد . أبو الشيخ
وأما حديث { السلامة في العزلة } فهو وإن كان معناه صحيحا فليس بحديث . نعم قال السخاوي : أسند الديلمي معناه مسلسلا عن أبي موسى رفعه { سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته } ثم ساق قول أبي حيان رحمه الله تعالى :
أرحت نفسي من الإيناس بالناس لما غنيت عن الأكياس باليأس وصرت في البيت وحدي لا أرى أحدا
بنات فكري وكتبي هن جلاسي
قال رضي الله عنه : والله لوددت أن بيني وبين الناس بابا من حديد لا يكلمني أحد ولا أكلمه حتى ألحق بالله عز وجل . وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما : لولا مخافة الوسواس لدخلت إلى بلاد لا أنيس بها ، وهل يفسد الناس إلا الناس . ابن عباس
وقال سعيد بن المسيب : العزلة عبادة وقال وابن سيرين : إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة . عمر بن عبد العزيز
وأوصى : فر من الناس كما تفر من الأسد [ ص: 464 ] وأوصى داود الطائي رحمه الله تعالى بعض أصحابه فقال : إن استطعت أن لا تخالط في زمانك هذا أحدا فافعل ، وليكن همك مرمة جهازك ، وكان يقول هذا زمان السكوت ولزوم البيت . سفيان الثوري
وقد كان سيدنا الإمام رضي الله عنه يحب الانفراد والعزلة من الناس ، وكذلك أحمد ، إبراهيم بن أدهم ، وسليمان الخواص في خلق كثير من الخواص . ويوسف بن أسباط