مطلب : ؟ هل إذا لم يكرر العبد التوبة كلما خطر ذنبه بباله يكون ناقصا للتوبة أم لا
وقال ابن الجوزي : واعلم أن التوبة ندم يورث عزما وقصدا ، وعلامة الندم طول الحزن على ما فات . وعلامة العزم والقصد التدارك لما فات وإصلاح ما يأتي . فإن كان الماضي تفريطا في عبادة قضاها ، أو مظلمة أداها ، أو خطيئة لا توجب غرامة حزن إذ تعاطاها . قال ومن علامات التائب أن يغضب على نفسه كما غضب ماعز والغامدية فأسلماها إلى الهلاك قال وهذا ذكرناه مثالا . وإن كنا لا نرى إلا أن العاصي يستر نفسه . ومنها أن تضيق [ ص: 571 ] الأرض عليه كما ضاقت على وصاحبيه . فيستولي عليه الحزن والبكاء فيشغله عن اللهو والضحك . قال ومتى كعب بن مالك دل على ضعف التوبة . انتهى . قصر في قضاء دين أو رد مظلمة
وقال في نهاية المبتدئين : قال : التوبة ندم العبد على ما كان منه ، والعزم على ترك مثله كلما ذكره ، وتكرار فعل التوبة كلما خطرت معصيته بباله ، ومن لم يفعل ذلك عاد مصرا ناقضا للتوبة . وهذا معنى كلام أبو الحسين السابق ، لكن ابن عقيل يقول يكون ناقضا للتوبة . وعند أبو الحسين يدل على عدم الندم فلم يوجد عنده توبة شرعية . قال ابن عقيل ابن مفلح : وبطلانها بالمعاودة أقرب . قال والأظهر مذهبا ودليلا أنها لا تبطل بذلك .
وفي الفصول أن لابن عقيل راجع عن تحريمها بعزمه ، وهذا يدل على أن العزم على معاودة الذنب مع التصميم على التوبة نقض للتوبة ، فجعله ناقضا للتوبة بالعزم لا بغيره ، وهذا أظهر من كلامه السابق وكلام المظاهر إذا عزم على الوطء . ثم إن أراد أنه يؤخذ بالذنب السابق الذي تاب منه فهو ضعيف ، وإن أراد انتقاض التوبة وقت العزم بالنسبة إلى المستقبل ، وأنه يؤاخذ من العزم بالنسبة إلى المستقبل فهذا يبنى على المؤاخذة بأفعال القلوب . أبي الحسين
قد فصل الإمام الحافظ ابن رجب ذلك تفصيلا حسنا . وحاصله أن تارة يتركه الهام به لخوف الله تعالى فيكتب حسنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله { الهم بالسيئات من غير عمل لها إنما تركها من جرائي } يعني من أجلي وهو بفتح الجيم وتشديد الراء ممدودا ومقصورا .
وفي رواية في من حديث البخاري { أبي هريرة } وأما إن تركها خوفا من المخلوقين أو مراءاة لهم فقد قيل إنه يعاقب على تركها بهذه النية ; لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم . وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة
وكذلك محرم ، فإذا اقترن به ترك المعصية لأجله عوقب على هذا الترك . وقد روى قصد الرياء أبو نعيم بإسناد ضعيف عن رضي الله عنهما قال : يا صاحب الذنب لا تأمنن سوء عاقبته ، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا [ ص: 572 ] عملته - فذكر كلاما - وقال : وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك ، أعظم من الذنب إذا عملته . ابن عباس