والنصيحة لأئمة المسلمين  معاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وتذكيرهم ونهيهم في رفق ولطف ، ومجانبة الوثوب عليهم ، والدعاء لهم بالتوفيق . 
والنصيحة لعامة المسلمين  إرشادهم إلى مصالحهم ، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ، وستر عوراتهم ، وسد خلاتهم ، وسد روعاتهم ، ومجانبة الغش والحسد لهم . 
قال الحافظ ابن رجب    : ومن أنواع نصحهم تعليم جاهلهم ، ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق ، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه كما قاله بعض السلف    : وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض . 
وكان  عمر بن عبد العزيز  رضي الله عنه يقول : يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به فكلما عملت فيكم بسنة وقع مني عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي . 
وقال بعض أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ، ويسعون في الأرض بالنصيحة . 
 [ ص: 48 ] وقال ابن علية  في قول بكر المزني    : ما فاق أبو بكر  رضي الله عنه أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كان في قلبه . قال الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل والنصيحة في خلقه . ورفعه بعضهم بلفظ { ما فضل أبو بكر  بفضل صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه    } ذكره الغزالي  في الإحياء . قال العراقي    : لم أجده مرفوعا ، وهو عند  الحكيم الترمذي  في النوادر من كلام  بكر بن عبد الله المزني    . 
وفي لفظ : ما فاتكم أو فضلكم أبو بكر  بكثير صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره . وكل ذلك لم يصح مرفوعا والله الموفق . 
وقال  الفضيل بن عياض    : ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة . 
وقال  معمر    : كان يقال : أنصح الناس لك من خاف الله فيك . 
فلهذه الآثار وأمثالها بذل الناظم  نصحه على قبوله بما وصف نفسه به من كون النصح صادرا ( من ) أخ ( شفيق ) متعلق بنصحا أو متعلق بيقبل ، أي يقبل من شفيق ، والشفيق ذو الشفقة . قال في القاموس : الورى كفتى الخلق ( حريص على زجر ) أي منع ( الأنام ) كسحاب وبالمد والأنيم كأمير الخلق أو الجن والإنس أو جميع ما على وجه الأرض كما تقدم ( عن ) الفعل ( الردي ) متعلق بزجر والمراد بالفعل الردي الحرام أو ما يعم المكروه فإن المكروه منهي عنه شرعا وإن كان هو ليس بممتنع من حيث كونه لا يعاقب على فعله ، وذلك لما قدمنا من قول  عمر بن عبد العزيز  وغيره . وكل هذا وأمثاله منتزع من  قوله تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم     } ) . 
				
						
						
