( الثالث ) : ذكر جماعة من أصحابنا وغيرهم منهم الآجري والحافظ أبو موسى وابن مفلح في الآداب والحجاوي في إقناعه وشرح منظومة الآداب وغيرهم ، منها إدمان تلاوته ، والبكاء فإن لم يكن فالتباكي ، وحمد الله عند قطع القراءة على توفيقه ونعمته ، وسؤال الثبات والإخلاص ، والسواك ابتداء ، وسؤال الرحمة عند آية رحمة ، وأن يتعوذ عند آية عذاب ، والجهر بالقراءة ليلا لا نهارا ، وأن يوالي قراءته ولا يقطعها بحديث الناس ما لم تعرض حاجة ، وأن يقرأ بالقراءة المستفيضة لا الشاذة الغريبة ، وأن تكون قراءته يعني ابتداءها على الصالحين العدول العارفين بمعانيها ، وأن يقرأ ما أمكنه في الصلاة ; لأنها أفضل أحوال العبد . لقراءة القرآن آدابا
وفي الحديث إن { القراءة في الصلاة تضاعف على القراءة خارجا عنها } ، وأن يتحرى قراءته متطهرا ، وأن يستقبل القبلة إن كان قاعدا ، وأن يكثر التلاوة في رمضان ، وأن يتحرى أن يعرضه كل عام على من هو أقرأ منه ، وأن يقرأه بالإعراب وتقدم .
قال في الآداب الكبرى : قال بعض أصحابنا : إن المعنى الاجتهاد على حفظ إعرابه لا إنه يجوز الإخلال به عمدا فإن ذلك لا يجوز ويؤدب فاعله لتغييره القرآن ، وأن يفخمه ; لأنه روي عنه عليه السلام { } قال الحافظ نزل القرآن بالتفخيم أبو موسى معناه أن يقرأه على قراءة الرجال ، ولا يخضع الصوت به ككلام النساء وليس معناه كراهة الإمالة ويحتمل إرادتها ثم رخص فيها ، وأن يفصل كل سورة مما قبلها بالوقف أو التسمية ، ولا يقرأ من أخرى قبل فراغ الأولى ، وأن يقف على رءوس الآي وإن لم يتم الكلام .
وقاله أبو موسى ، وفيه خلاف بينهم كوقفه عليه السلام في قراءة الفاتحة على كل آية وإن لم يتم الكلام . قال أبو موسى : ولأن الوقف على آخر السور لا شك في استحبابه ، وقد يتعلق بعضها ببعض كسورة الفيل مع قريش . وأن يعتقد جزيل [ ص: 401 ] ما أنعم الله تعالى به عليه إذ أهله لحفظ كتابه ، ويستصغر عرض الدنيا أجمع في جنب ما خوله تعالى ، ويجتهد في شكره ، وأن يترك المباهاة ، وأن لا يطلب به الدنيا بل ما عند الله ، وأن لا يقرأ في المواضع القذرة .
وينبغي أن يكون ذا سكينة ووقار وقناعة ورضا بما قسم الله تعالى ، مجانبا للدنيا ، محاسبا لنفسه ، يعرف القرآن في خلقه وسمته ; لأنه صاحب كتاب الملك ، والمطلع على ما وعد فيه وأوعد ، وحث عليه وهدد ، فإذا بدرت منه سيئة بادر محوها بالحسنة .
وروى الحافظ أبو موسى بإسناده عن رضي الله عنه قال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يخلطون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون . وينبغي أن يكون باكيا محزونا حكيما عليما سكينا ، ولا يكون جافيا ولا غافلا ولا صخبا ولا صياحا ولا حديدا . ابن مسعود