[ ص: 111 ] مطلب : مراتب الغذاء ثلاثة ، وقال الإمام ابن القيم في الهدي النبوي : ثلاثة : مراتب الغذاء
( أحدها ) : مرتبة الحاجة .
( والثانية ) : مرتبة الكفاية .
( والثالثة ) : مرتبة الفضيلة .
فأخبر صلى الله عليه وسلم { } فلا تسقط قوته ولا يضعف ، فإن تجاوزها فليأكل ثلث بطنه ويدع الثلث الآخر للماء والثالث للنفس ، وهذا أنفع للبدن ، والقلب ، فإن البدن إذا امتلأ من الطعام وضاق عن الشراب ، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة الحمل الثقيل هذا مع ما يلزم ذلك من فساد القلب وكسل الجوارح عن الطاعات ، والعبادات ، فالامتلاء مضر للقلب ، والبدن ، هذا إذا كان دائما ، وأما إذا كان في الأحيان فلا بأس به . واستشهد بحديث أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه وبشبع الصحابة رضي الله عنهم مرارا بحضرته صلى الله عليه وسلم فهذا بعض منافع تقليل الغذاء وترك التملي من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته . أبي هريرة
وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه ، فإن وانكسار النفس وضعف الهوى ، والغضب ، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك . وقال قلة الغذاء توجب رقة القلب وقوة الفهم الحسن : يا ابن آدم كل في ثلث بطنك واشرب في ثلث ودع ثلث بطنك للنفس لتتفكر ، وقال المروذي : جعل رضي الله عنه يعظم أمر الجوع ، والفقر فقلت : يؤجر الرجل في تلك الشهوات ؟ فقال : وكيف لا يؤجر أبو عبد الله يعني الإمام أحمد يقول : ما شبعت منذ أربعة أشهر ؟ قلت وابن عمر لأبي عبد الله : يجد الرجل من قلبه رقة ، وهو يشبع ؟ قال : ما أرى .
قال : قال رجل ابن سيرين رضي الله عنهما : ألا أجيئك بجوارش قال : وأي شيء يهضم الطعام إذا أكلته قال : ما شبعت منذ أربعة أشهر وليس ذلك لأني لا أقدر عليه ولكن أدركت أقواما يجوعون أكثر مما يشبعون . وروى لابن عمر يحيى بن منده في كتاب مناقب الإمام بإسناده عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم { أحمد } قال : ثلث للطعام هو القوت وثلث للشراب هو القوى وثلث للنفس هو الروح . وذكر : ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس وغيره [ ص: 112 ] أن ابن عبد البر رضي الله عنه خطب يوما فقال : إياكم ، والبطنة ، فإنها مكسلة عن الصلاة مؤذية للجسم وعليكم بالفضل في قوتكم ، فإنه أبعد من الأشر وأصح للبدن وأقوى على العبادة ، وإن امرأ لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه . عمر
وقال : خصلتان يقسيان القلب : كثرة الكلام وكثرة الأكل . وروى الفضيل بن عياض المروزي بإسناده عن أنه قال : " من قل طعمه فهم وأفهم وصفا ورق ، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد ، وقال محمد بن واسع أبو عبيدة الخواص : حتفك في شبعك وحظك في جوعك إذا أنت شبعت ثقلت فنمت استمكن منك العدو فجثم عليك وإذا أنت تجوعت كنت للعدو بمرصد .
وقال سلمة بن سعيد : إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله .
وقال : ما ينبغي للعاقل أن يكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه . وكان يقال : لا تسكن الحكمة معدة ملأى . مالك بن دينار
وقال ما شبعت منذ خمسين سنة ، وقال ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال ; لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام . بشر بن الحارث
فانظر رحمك الله هذه الهمم العلية ، والأنفس الزكية ، ونحن في هذه الأعصار ، نتضلع من هذه الأقذار ، ولا نتزود لتلك الدار . عياذا بك اللهم من مر الأقدار ، والخلود إلى نيل الشهوات الموجبة إلى دخول النار . ولا حول ولا قوة إلا بالله الرحيم الغفار . .