( و ) يسلم أيضا ( من أذى جليس ) أي مجالس ، يحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى فاعله أي ويسلم المعتزل من الأذى الصادر من الجليس وهو الأظهر ، ويحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي ويسلم في وحدته وخلوته من أن يؤذي هو جليسه ، ولا شك أن المتخلي سلم من الشيئين معا .
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } قوله يحذيك أي يعطيك . إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة
وعند أبي داود عن والنسائي مرفوعا { أنس } . مثل جليس الصالح كمثل [ ص: 465 ] صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه ، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه
وروى الحاكم والعسكري عن مرفوعا : { أبي ذر } . الوحدة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح خير من الوحدة ، وإملاء الخير خير من الصمت ، والصمت خير من إملاء الشر
( و ) يسلم أيضا ( من ) شخص ( واش ) يقال وشى فلان كلامه كذب فيه ، ووشى به إلى السلطان وشيا ووشاية نم وسعى ، وفي خبر ضعيف : خرجنا نشي إلى بسعد . قال في النهاية : يقال وشى به يشي وشاية إذا نم عليه وسعى به فهو واش وجمعه وشاة ، قال وأصله استخراج الحديث باللطف والسؤال ، ومنه في حديث الإفك { عمر عبد الله بن أبي ابن سلول كان يستوشيه ويجمعه } أي يستخرج الحديث بالبحث عنه . أن
وفي رسالة ابن زيدون لابن أجهور : فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح ، ونبأ جاء به فاسق ، وهم الهمازون المشاءون بنميم ، والواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العصا ، والغواة الذين لا يتركون أديما صحيحا والسعاة الذين ذكرهم فقال : ما ظنك بقوم الصدق محمود إلا منهم . الأحنف بن قيس
قال الصلاح للصفدي في شرح الرسالة المذكورة في قوله : والواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العصا الأصل في هذا قول : كثير عزة
لعم أبو الواشين لا عم غيرهم
لقد كلفوا في خطة لا أريدها ولا يلبث الواشون أن يصدعوا العصا
إذا هي لم يصلب على المرء عودها
ذكرها الصلاح الصفدي في شرح الرسالة المذكورة قال : كان الخليلنجي القاضي عبد الله بن محمد ابن أخت علوية المغني وكان ثقة ثبتا صدوقا تقلد القضاء للأمين ، وكان علوية عدوا له ، فجرت له قضية في بغداد فاستعفى من القضاء وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة . فتولى قضاء دمشق أو حمص ، فلما تولى الخلافة غناه يوما علوية بشعر المأمون الخليلنجي وهو : [ ص: 466 ]
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي أتاك به الواشون عني كما قالوا
ولكنهم لما رأوك غرية بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا
فقد صرت أذنا للوشاة سميعة ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
وقول الناظم ( بغيض ) صفة لواش ( و ) يسلم الإنسان في خلوته أيضا من ( حسد ) جمع حاسد ، وتقدم الكلام عليه بما فيه كفاية .