ومن هاب أسباب المنايا ينلنه لو رام أسباب السماء بسلم ومن يك ذا مال فيبخل بماله
على قومه يستغن عنه ويذمم من لا يزل يستحمد الناس نفسه
ولا يغنها يوما من الدهر يندم ومن يغترب يحسب عدوا صديقه
ومن لا يكرم نفسه لا يكرم ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم من لا يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
والقصيدة التي مدح كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأنشدها بين يديه بحضور أصحابه هي قوله :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وذلك أن زهيرا فيما زعموا كان يجالس أهل الكتاب فسمع منهم أنه قد آن مبعثه صلى الله عليه وسلم ورأى زهير في منامه أنه قد مد سبب من السماء وأنه مد يده ليتناوله ففاته ، فأوله بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يبعث في آخر الزمان وأنه لا يدركه ، فأخبر بنيه بذلك وأوصاهم إن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلموا .
ولما اتصل خبر إسلام بجير بأخيه كعب أغضبه ذلك فقال :
ألا بلغا عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
سقاك بها كأسا روية فانهلك المأمون منها وعلكا المأمون
ففارقت أسباب الهدى واتبعته على أي شيء ويب عزك دلكا
على مذهب لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تعرف عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ولا قائل إما عثرت لعا لكا
فلما وقف عليها أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع عليه الصلاة والسلام قوله سقاك بها قال مأمون والله ، وذلك أنهم كانوا يسمون رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمون ولما سمع [ ص: 183 ] قوله على مذهب ويروى على خلق لم تلف أما ولا أبا البيت ، قال أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لقي منكم المأمون كعب بن زهير فليقتله ، وذلك عند انصرافه صلى الله عليه وسلم من الطائف ، فكتب إليه بجير رضي الله عنه بهذه الأبيات :
من مبلغ كعبا فهل لك في التي تلوم عليها باطلا وهو أحزم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه ودين أبي سلمى علي محرم
وعرف كعب رسول الله بالصفة التي وصف له الناس وكان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من ، أصحابه مثل موضع المائدة من القوم يتحلقون حوله حلقة ثم حلقة ، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم ثم يقبل على هؤلاء فيحدثهم ، فقام كعب إليه حتى جلس بين يديه فوضع يده في يده ثم قال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال نعم ، قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير ، قال الذي يقول ما يقول . ثم أقبل على أبي بكر يستنشده الشعر ، فأنشده أبو بكر رضي الله عنه : سقاك بها المأمون كأسا روية ، فقال كعب لم أقل هكذا إنما قلت : سقاك أبو بكر بكأس روية ، وانهلك المأمون فقال رسول الله [ ص: 184 ] صلى الله عليه وسلم مأمون والله .
ووثب عليه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال دعه عنك فإنه قد جاء تائبا نازعا . فغضب كعب على هذا الحي لما صنع به صاحبهم . قال : فلذلك يقول : إذا عرد السود التنابيل يعرض بهم . ابن إسحاق
وفي رواية أبي بكر بن الأنباري أنه لما وصل إلى قوله :
إن الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول
قلت : قد ذهبت البردة المذكورة لما استولى التتار على بغداد ومقدمهم ( هولاكو ) نهار الأربعاء رابع عشر صفر سنة تسع وخمسين وستمائة فقد وضع هولاكو البردة المذكورة في طبق نحاس وكذا القضيب فأحرقهما وذر رمادهما في دجلة ، وقتل الخليفة وولده ، وقتل من العلماء والفضلاء خلق كثير ، وقتل بقية أولاد الخليفة ، وأسرت بناته ومن بنات بيت الخلافة والأكابر ما يقارب ألف بكر ، وبلغ القتلى أكثر من ألفي ألف وثلثمائة ألف نسمة كما هو مشروح في التواريخ ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .