كان وهو الذي انتهت إليه الخلافة بعد يزيد بن عبد الملك رضي الله عنه له جارية تسمى عمر بن عبد العزيز حبابة ، وكان شديد الشغف بها ، ولم يقدر على تحصيلها إلا بعد جهد شديد ، فلما وصلت إليه خلا بها يوما في بستان ، وقد طار عقله فرحا بها ، فبينما هو يلاعبها ويضاحكها إذ رماها بحبة رمان أو بحبة عنب وهي تضحك فدخلت في فيها فشرقت بها فماتت ، فما سمحت نفسه بدفنها حتى أروحت ، فعوتب على ذلك فدفنها ، ويقال إنه [ ص: 551 ] نبشها بعد دفنها . ويروى أنه دخل بعد موتها إلى خزانتها ومقاصيرها ومعه جارية لها فتمثلت الجارية بقول الشاعر :
كفى حزنا بالواله الصب أن يرى منازل من يهوى معطلة قفرا
فصاح وخر مغشيا عليه فلم يفق إلى أن مضى هوى من الليل ، ثم أفاق فبكى بقية ليلته فدخلوا عليه فوجدوه ميتا . ذكر هذا الحافظ ابن رجب في اللطائف .قلت : وفي المجلد السادس عشر من الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي : يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي ولي الخلافة بعد يوم الجمعة لست بقين من شهر رجب سنة إحدى ومائة وله سبع وثلاثون سنة وأربعون يوما وتوفي بأرض عمر بن عبد العزيز البلقاء ، ويقال مات بعمان ليلة الجمعة لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة وله إحدى وأربعون سنة ، فكانت أيامه أربع سنين وشهرا ، وكان طويلا جسيما مدور الوجه لم يشب ، وكان شديد الكبر صاحب لهو ولذات ، وصاحب حبابة وسلامة ، وهما جاريتان شغف بهما ، وماتت حبابة فمات بعدها بيسير أسفا عليها . قال : ولما ماتت تركها أياما لم يدفنها وعوتب في ذلك فدفنها ، وقيل إنه دفنها ثم نبشها بعد الدفن ، وكان يسمى يزيد الماجن . قال وفيه قال المختار الخارجي حين ذم بني أمية في خطبة له معروفة منهم يزيد الفاسق يضع حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره ثم يشرب إلى أن يسكر ويغنيانه فيطرب ثم يشق حلة ضربت في نسجها الأبشار ، وهتكت فيها الأستار ، ثم يقول أطير أطير ، فيقولان إلى من تترك الخلافة ؟ فيقول إليكما . وإني أقول له طر إلى لعنة الله وناره . قال الصلاح الصفدي : ولما ولي الخلافة قالت له زوجته هل بقي لك أمل بعد الخلافة ؟ قال نعم أن تحصل في ملكي حبابة ، فسكتت عنه إلى أن أنفدت تاجرا اشتراها بمال عظيم وأحضرتها له خلف ستر وأمرتها بالغناء ، فلما سمعها اهتز وطرب وقال هذا غناء أجد له في قلبي وقعا فما الخبر ؟ فكشفت الستر وقالت هذه حبابة وهذا غناؤها فدونك وإياها ، فغلبت على قلبه من ذلك ولم ينتفع به في الخلافة . قال : وقال في بعض أيام خلواته : الناس يقولون إنه لم يصف لأحد من الملوك يوم كامل وأنا أريد [ ص: 552 ] أن أكذبهم في ذلك ، ثم أقبل على لذاته وأمر أن يحجب عن سمعه وبصره كل ما يكره ، فبينما هو في صفو عيشه إذ تناولت حبابة حبة رمان فغصت بها فماتت ، فاختل عقله إلى أن نبشها من قبرها وتحدث الناس في خلعه من الخلافة ولم يعش بعدها غير خمسة عشر يوما . وفيها يقول لما دفنت :
فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد