الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في حكم القران بين تمرتين فأكثر ، وفيه تحقيق مهم :

ويكره في التمر القران ونحوه وقيل مع التشريك لا في التفرد ( ويكره ) لكل أحد بلا حاجة ( في التمر ) ، وهو جنى النخل واحدته تمرة ( القران ) بأن يجمع في حال أكله بين تمرتين فأكثر ( ونحوه ) أي نحو التمر مما جرت العادة بتناوله أفرادا مثله في الحكم .

قال في الآداب الكبرى : والقران بين غير التمر مثله إلا أن ذلك لا يقصد وتظهر فائدته في الفواكه ، وما في معناها ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه : وعلى قياس التمر كل ما العادة جارية بتناوله أفرادا . ودليل الكراهة ما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القران إلا أن تستأذن أصحابك } فالقران بكسر القاف هو أن يقرن التمرة مع أختها ويرفعهما إلى فيه جميعا ( وقيل ) الكراهة إنما تكون ( مع التشريك ) بأن كان شريكا مع غيره ; لما يلزم من فعله ذلك اختصاصه بأزيد عن شريكه .

فعلى هذا ( لا ) يكره القران ( في التفرد ) أي في أكله منفردا عن شريك ولا مع أهله ولا مع من أطعمهم ذلك كما في الرعاية ، والمستوعب وزاد : وتركه مع كل أحد أولى وأفضل وأحسن ، وهو معنى كلامه في الترغيب .

[ ص: 99 ] فإن قلت : النهي يقتضي التحريم كما أن الأمر يقتضي الوجوب فما لكم لم تقولوا بالحرمة ههنا ؟ فالجواب كما في واضح ابن عقيل أن الأمر لا يقتضي حسن المأمور به ولا النهي قبح المنهي عنه عقلا عندنا ، وعند أهل السنة خلافا للقدرية فقد نهى الشارع عن أشياء الأولى تركها لا لقبحها كالقران بين التمرتين وكنس البيت بالخرقة ، والجلوس في المنارة والشرب من ثلمة الإناء كذا قال .

ومراده رحمه الله تعالى نفي كون العقل يحسن ، أو يقبح قال في شرح التحرير : والحسن شرعا ، والقبيح شرعا ما أمر به الله سبحانه وتعالى ، وهذا راجع للحسن ، وما نهى عنه ، وهذا راجع للقبيح قال ابن قاضي الجبل : إذا أمر الله سبحانه وتعالى بفعل فهو حسن بالاتفاق ، وإذا نهى عن فعل فقبيح بالاتفاق ، والله أعلم .

ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أن النهي عن قران التمر التحريم وعن غيرهم للكراهة ، والأدب . وذكر النووي أن الصواب التفصيل ، فإن كان الطعام مشتركا بينه وبين غيره فالقران حرام إلا برضاهم بقول ، أو قرينة يحصل بها علم ، أو ظن ، وإن كان الطعام لغيرهم ، أو لأحدهم اشترط رضاه وحده ، فإن قرن بغير رضاه فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ، وإن كان الطعام لنفسه ، وقد ضيفهم فحسن أن لا يقرن ليساويهم إن كان فيه قلة ، وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس لكن الإذن مطلقا الأدب وترك الشره . نعم يطلب إذنهم ، والحالة هذه إن كان مستعجلا ويريد الإسراع لشغل آخر .

وقال الخطابي : إنما كان هذا في زمنهم حين كان الطعام ضيقا ، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن . قال في الآداب الكبرى : وفيما ذكره نظر والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية