الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( تتمة ) في فوائد تتعلق بما نحن بصدده :

مطلب : التواضع محمود شرعا وطبعا .

( الأولى ) : التواضع محمود شرعا وطبعا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { ما تواضع لله أحد إلا رفعه } .

وعن نصيح العنسي عن ركب المصري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { طوبى لمن تواضع لله في غير منقصة ، وذل في نفسه من غير مسألة ، وأنفق مالا جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذل والمسكنة ، وخالط أهل الفقه والحكمة طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته ، وكرمت علانيته ، وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله } رواه الطبراني . وقد حسنه أبو عمر النمري وغيره . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين } زاد ابن حبان { ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس عليها باب ولا كوة لخرج ما غيبه للناس كائنا ما كان } .

[ ص: 231 ] أخرج الإمام أحمد والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا أعلمه إلا رفعه قال { يقول الله تبارك وتعالى : من تواضع لي هكذا ، وجعل يزيد باطن كفه إلى الأرض وأدناها رفعته هكذا ، وجعل باطن كفه إلى السماء ورفعها نحو السماء } .

ورواه الطبراني بلفظ { قال عمر بن الخطاب على المنبر أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تواضع لله رفعه الله قال انتعش نعشك الله فهو في أعين الناس عظيم وفي نفسه صغير ، ومن تكبر قصمه الله وقال اخسأ فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير } . والطبراني والبزار بنحوه وإسنادهما حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك ، فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته ، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته }

وقال الحافظ المنذري : الحكمة بفتح الحاء المهملة والكاف هي ما يجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه .

والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا { من تواضع لأخيه المسلم رفعه الله . ومن ارتفع عليه وضعه الله } .

وذكر ابن عبد البر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حسب إلا في التواضع ، ولا نسب إلا بالتقوى ، ولا عمل إلا بالنية ، ولا عبادة إلا باليقين } .

وفي الآداب الكبرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من عظمت نعمة الله عليه فليطلب بالتواضع شكرها ، فإنه لا يكون شكورا حتى يكون متواضعا } .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه " إن من التواضع الرضا بالدون من شرف المجلس ، وأن تسلم على من لقيت .

وقال ابن المبارك " كان يقال : الغنى في النفس ، والكرم في التقوى ، والشرف في التواضع " .

وكان سليمان بن داود عليه السلام يجلس في أوضع مجالس بني إسرائيل ويقول : مسكين بين ظهراني مساكين .

[ ص: 232 ] وكان يقال : ثمرة القناعة الراحة ، وثمرة التواضع المحبة .

وقال لقمان لابنه : يا بني تواضع للحق تكن أعقل الناس .

وقال بعض الحكماء : إذا سئل الشريف تواضع ، وإذا سئل الوضيع تكبر .

وقال بزرجمهر : وجدنا التواضع مع الجهل والبخل ، أحمد من الكبر مع الأدب والسخاء .

وقال ابن السماك للرشيد : تواضعك في شرفك أفضل من شرفك .

وقال بعض الشعراء :

الكبر ذل والتواضع رفعة والمزح والضحك الكثير سقوط     والحرص فقر والقناعة عزة
واليأس من صنع الإله قنوط

وقيل : التواضع سلم الشرف .

وقال مجاهد : إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال ، وتواضع الجودي فرفعه فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه فسبحان من تواضع كل شيء لعزة جبروت عظمته ، وخضع لجلال عظيم حكمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية