الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ولما ذكر الناظم جملا من الآداب الشرعية يحصل لمن حصلها إن لم يداركه لطف ويلاحظه توفيق إعجاب وكبر حذر منهما بقوله رحمه الله : [ ص: 567 ]

مطلب : في التحذير عن الإعجاب والكبر :

وإياك والإعجاب والكبر تحظ بالسعادة في الدارين فارشد وأرشد ( وإياك ) أيها الطالب الذي حصل أسنى المطالب ( والإعجاب ) أي احذره وانفر منه ولا تساكنه فإنه إنما يصدر عن رؤية النفس والرضا عنها واستشعار وصف كمال . وتقدم الفرق بين العجب والكبر بأن الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال ، وذلك الخلق هو رؤية النفس فوق المتكبر عليه ، ولا بد من وجود من يتكبر عليه . والعجب يتصور ولو لم يكن أحد غير المعجب . وقد يكون الكبر ناشئا عن العجب ، فإن من أعجب بشيء تكبر به .

قال الإمام الحافظ ابن الجوزي : إنما يكون العجب لاستشعار وصف كمال ، ومن أعجب بعلمه استعظمه ، فكأنه يمن على الخالق سبحانه وتعالى بطاعته ، وربما ظن أنها جعلت له عند الله موضعا ، وأنه قد استوجب بها جزاء . ومن أعجب بعمله منعه عجبه من الازدياد . وعلة العجب الجهل المحض .

( و ) إياك و ( الكبر ) فإنه آفة عظيمة ومعصية جسيمة . وقد قدمنا من مثالب العجب والكبر ما فيه كفاية فلا حاجة إلى الإعادة . فإن أنت اجتنبتهما وأبعدت عنهما ولم تساكنهما ولا واحدا منهما ( تحظ بالسعادة ) أي تمل إليها وتظفر بها . والسعادة خلاف الشقاوة وتقدم الكلام عليها ( في الدارين ) أي الدنيا والآخرة ، وكذا في البرزخ وهو ما بينهما ولكنه بالآخرة أشبه .

فكأن الناظم ألحقه بالآخرة ( فارشد ) من رشد أي اتخذ الرشد واتصف به في ذاتك ، يقال رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى ( وأرشد ) لغيرك ، من أرشد ، لتكون عالما عاملا معلما ، فتكون حينئذ ربانيا . قال في القاموس : الرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه ، وتقدم الكلام على ذلك والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية