الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في النهي عن الفحش .

أخرج الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح والترمذي وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء في الجفاء ، والجفاء في النار } . وقال { الحياء والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق } رواه الترمذي وقال حسن غريب عن أبي أمامة . قال المنذري : العي قلة الكلام ، والبذاء هو الفحش في الكلام ، والبيان هو كثرة الكلام مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله . انتهى . [ ص: 128 ] ورواه الطبراني بلفظ { الحياء والعي من الإيمان وهما يقربان من الجنة ويباعدان من النار ، والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقربان من النار ويباعدان من الجنة } فقال أعرابي لأبي أمامة إنا لنقول في الشعر العي من الحمق ، فقال إني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وتجيبني بشعرك المنتن } . وروى الطبراني باختصار وأبو الشيخ في الثواب واللفظ له عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال { كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر عنده الحياء فقالوا يا رسول الله الحياء من الدين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الدين كله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحياء والعفاف والعي عن اللسان لا عن القلب والعفة من الإيمان وإنهن يزدن في الآخرة وينقصن من الدنيا ، وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا ، وإن الشح والعجز والبذاء من النفاق وإنهن يزدن في الدنيا وينقصن من الآخرة وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن من الدنيا } .

ويحرم أيضا ( خديعة ) أي إرادة المكروه بالمسلم . قال في القاموس : خدعه كمنعه خدعا ويكسر ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم كاختدعه فانخدع والاسم الخديعة ، والحرب خدعة مثلثة وكهمزة .

قال في المشارق في قوله صلى الله عليه وسلم { الحرب خدعة } كذا لأبي ذر وأكثر الروايات للصحيحين وضبطها الأصيلي خدعة بالضم . قال أبو ذر لغة النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح وبه قال الأصمعي وغيره ، وحكى يونس فيه الوجهين ووجها ثالثا خدعة بضم الخاء وفتح الدال ، ولغة رابعة بفتحهما .

فالخدعة يعني بفتح الخاء وسكون الدال المهملة بمعنى أن أمرها ينقضي بخدعة واحدة يخدع بها المخدوع فتزل قدمه ولا يجد لها تلافيا ولا إقالة ، فكأنه نبه على أخذ الحذر من مثل ذلك . ومن ضم الخاء وسكن الدال فمعناه أنها تخدع يعني أهلها ومباشريها . ومن ضم الخاء وفتح الدال نسب الفعل إليها أي تخدع هي من اطمأن إليها وأن أهلها يخدعون فيها . ومن فتحهما جميعا كان جمع خادع يعني أن أهلها بهذه الصفة فلا يطمأن إليهم كأنه قال أهل الحرب خدعة ثم حذف المضاف .

قال وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار [ ص: 129 ] خلافه ، ويقال خدع الطريق فسد فكأن الخداع يفسد تدبير المخدوع ويقيل رأيه . وقال في الصحاح : خدعه يخدعه خدعا وخدعا أيضا بالكسر مثل سحره سحرا أي ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم والاسم الخديعة انتهى .

قلت : ظاهر كلام المحدثين من أهل الغريب بل صريحه أنها تروى على أربعة أوجه من حيث اللغة ، ومقتضى ما ذكرناه عن القاموس والمشارق بضم ما أهمله كل واحد منهما إلى ما ذكره أنها خمس لغات فإن القاموس قال الحرب خدعة مثلثة وكهمزة ولا شك أن مراده مثلثة الخاء مع سكون الدال ، وقوله كهمزة أي بضم الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وأهمل ما ذكره صاحب المشارق من فتح الخاء والدال معا .

وأهمل صاحب المشارق فتح الخاء وسكون الدال لكنه غير وارد على صاحب القاموس ، لأن من رواه خدعة بفتحهما فهو جمع خادع كما بينه صاحب المشارق ، وإنما يرد على المشارق إهمال لغة الفتح مع السكون فاحفظه والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية