الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال ( ويجوز nindex.php?page=treesubj&link=14789_24036التوكيل بعقد الصرف والسلم ) ; لأنه عقد يملكه بنفسه فيملك التوكيل به على ما مر ، [ ص: 35 ] ومراده التوكيل بالإسلام دون قبول السلم ; لأن ذلك لا يجوز ، فإن الوكيل يبيع طعاما في ذمته على أن يكون الثمن لغيره ، وهذا لا يجوز .
( قال ) أي nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في مختصره ( ويجوز nindex.php?page=treesubj&link=14789_24036التوكيل بعقد الصرف والسلم ) يعني إذا وكل شخصا أن يعقد عقد الصرف أو يسلم في مكيل مثلا ففعل جاز ; لأنه عقد يملكه بنفسه فيملك التوكيل به دفعا للحاجة ( على ما مر ) في أول كتاب الوكالة وهو قوله كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره . قال جمهور الشراح : يرد عليه مسألة الوكالة [ ص: 35 ] من جانب المسلم إليه فإنها لا تجوز مع أن المسلم إليه لو باشر بنفسه لقبول السلم يجوز ، فمنهم من لم يجب عنه ومنهم من أجاب عنه . فقال صاحب غاية البيان : فجوابه أن القياس أن لا يملكه المسلم إليه أيضا لكونه بيع المعدوم ، إلا أنه جوز ذلك من المسلم إليه رخصة له دفعا لحاجة المفاليس .
وقد روي { nindex.php?page=hadith&LINKID=67159أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم } وما ثبت بخلاف القياس يقتصر فيه على مورد النص فلم يجز توكيله غيره . أو نقول : جاز بيع المعدوم ضرورة دفع حاجة المفاليس . والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة ، فلم يظهر أثره في التوكيل ولم يرد نقضا على الكلي الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري ; لأن تملك المسلم إليه العقد بنفسه لعارض الضرورة ، والعوارض لا تقدح في القواعد . وقال هذا ما سمح به خاطري في هذا المقام ، وقد تبعه صاحب العناية في كلا وجهي جوابه ولكنه أجملهما . أقول : في كل أحد منهما نظر . أما في الأول فلأنه منقوض بعقد الإجارة مثلا ; لأنه كما يجوز أن يباشره الإنسان بنفسه يجوز أن يوكل به غيره بلا خلاف ، مع أنه ثابت أيضا على خلاف القياس بالنص كما سيأتي في أول كتاب الإجارة .
ثم إن الظاهر أن مورد النص مجرد جواز عقد السلم من غير تعرض للمباشرة بنفسه ، فجواز التوكيل فيه على فرض لا ينافي الاقتصار على مورد النص ، كما أن جوازه في عقد الإجارة لم يناف الاقتصار على مورد النص لأجل ذلك . وأما في الثاني فلأن مع انتقاضه أيضا بمثل عقد الإجارة يرد عليه أن في التوكيل أيضا ضرورة دفع الحاجة سيما إذا كان الموكل مريضا أو شيخا فانيا أو نحو ذلك ، فيكون الثابت بالضرورة مقدرا بقدر الضرورة لا يمنع جواز التوكيل من جانب المسلم إليه أيضا . لا يقال : إنما جاز بيع المعدوم في عقد السلم لضرورة دفع حاجة المفاليس إلى الثمن لا لمطلق الضرورة . والذي يتحقق في التوكيل ضرورة دفع حاجة الموكل إلى العمل لا غير ; لأنا نقول : بل يتحقق في التوكيل عند الحاجة إليه ضرورة دفع حاجة المفاليس إلى الثمن أيضا مع زيادة ، فإن المفلس العاجز عن المباشرة بنفسه إذا لم يقدر على توكيل غيره لقبول السلم تشتد حاجته إلى الثمن .
قال المصنف ( ومراده التوكيل بالإسلام ) أي مراد nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري بالتوكيل بعقد السلم التوكيل بالإسلام ، وهو توكيل رب السلم غيره بأن يعقد عقد السلم ، ولفظ الإسلام إنما يستعمل من جانب رب السلم . يقال : أسلم في كذا : إذا اشترى شيئا بالسلم ( دون قبول السلم ) أي ليس مراده بذلك التوكيل بقبول السلم وهو التوكيل من جانب المسلم إليه ( لأن ذلك ) أي : لأن التوكيل بقبول السلم ( لا يجوز فإن الوكيل حينئذ يبيع طعاما في ذمته على أن يكون الثمن لغيره ) أي الموكل ( وهذا لا يجوز ) [ ص: 36 ] لأن من باع ملك نفسه من الأعيان على أن يكون الثمن لغيره لا يجوز فكذلك في الديون نص على ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في باب الوكالة بالسلم من البيوع . وإذا بطل التوكيل من المسلم إليه بقبول عقد السلم كان الوكيل عاقدا لنفسه فيجب الطعام في ذمته ورأس المال مملوك له ، فإذا سلمه إلى الآمر على وجه التمليك منه كان قرضا له عليه ، كذا في المبسوط وغيره . فإن قيل قد يجوز التوكيل بشيء يجب في ذمة الغير كما في التوكيل بالشراء ، فإن الوكيل هو المطالب بالثمن والثمن يجب في ذمة الموكل فلم لا يجوز فيما نحن فيه توكيل المسلم إليه غيره بقبول السلم على أن يطالب الوكيل بتسليم المسلم فيه بجامع معنى الدينية . فإن المسلم فيه دين في ذمة المسلم إليه كالثمن في ذمة المشتري .
قلنا : بين الدينين فرق ، فإن المسلم فيه دين له حكم المبيع حتى لا يجوز الاستبدال به قبل القبض ، وليس للثمن حكم المبيع فلا يلزم من الجواز هناك الجواز هنا . كذا في النهاية ومعراج الدراية . وقال صاحب العناية في الجواب عن السؤال المذكور : إن كلامنا فيما إذا كان المبدل في ذمة شخص وآخر يملك بدله ، وما ذكرتم ليس كذلك فإن الموكل بالشراء يملك المبدل ويلزم البدل في ذمته . وقال : فإن قيل : فاجعل المسلم فيه في ذمة الموكل والمال له كما في صورة الشراء . فالجواب هو الجواب عن السؤال الأول المذكور آنفا انتهى كلامه .
أقول : إنه عدل هاهنا عن نهج الصواب حيث قصد التصرف الزائد ولكن أفسد ; لأن مآل جوابه الاعتراف بعدم تمام الدليل الذي ذكره المصنف ، والمصير إلى دليل آخر حاصل من الجواب عن السؤال الأول الذي حاصله أن جواز قبول السلم ثابت بالنص على خلاف القياس وبالضرورة ، فيقتصر على مورد النص ويتقدر بقدر الضرورة فلا يتعدى إلى الآمر به . والدليل الذي ذكره المصنف مما تلقته السلف والخلف بالقبول فلا وجه للاعتراف بعدم تمامه مع تحقيق المخلص عن السؤال المذكور بالجواب الذي ذكره غيره . على أن الجواب عن السؤال الأول قد عرفت عدم تمامه بما أوردنا عليه فيما قبل