الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 349 ] قال ( ومن أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل صح إقراره ولزمه ) لأن له وجها صحيحا وهو الوصية به من جهة غيره فحمل عليه .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ومن أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل صح إقراره ولزمه ) أي لزم المقر ما أقر به ( لأن له ) أي لإقراره ( وجها صحيحا وهو الوصية به ) أي بالحمل ( من جهة غيره ) أي غير المقر بأن أوصى بالحمل مالك الجارية ومالك الشاة لرجل ومات فأقر وارثه وهو عالم بوصية مورثه بأن هذا الحمل لفلان ، وإذا صح ذلك الوجه وجب الحمل عليه وهو المراد بقوله ( فحمل عليه ) قال الشراح : ولا وجه للميراث في هذه الصورة لأن من له ميراث في الحمل له ميراث في الحامل .

أقول : ليس الأمر كذلك ، فإن الفقهاء صرحوا بأن من أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء ، وستأتي المسألة بعينها في كتاب الوصايا من هذا [ ص: 350 ] الكتاب ، فحينئذ يجوز أن يوصي مالك الحامل بالحامل لرجل ويستثني حملها ويموت ، فإذن تصير الحامل للموصى له والحمل لوارث الميت ، فلو أقر الموصى له بعد أن قبض الحامل باستحقاقه إياها بأن حمل هذه الحامل لوارث الميت المزبور صح إقراره وكان له وجه صحيح وهو الميراث ، فلا وجه لقولهم لا وجه للميراث في هذه الصورة ولا لتعليلهم إياه بأن من له ميراث في الحمل له ميراث في الحامل ، تأمل جدا فإن ما ذكرته وجه حسن دقيق لم يتنبه له الجمهور . ثم أقول : يشكل بهذه المسألة الوجه الذي ذكر في الكتاب وفي المبسوط من قبل أبي يوسف رحمه الله في المسألة الأولى في صورة إبهام الإقرار ، فإن مطلق الإقرار لم يصرف هاهنا إلى الإقرار بسبب التجارة بأن يبيع الحمل من المقر له وبنحو ذلك من الأسباب الغير الصالحة في حق الحمل بل صرف عندهم جميعا إلى الإقرار بسبب صحيح غير سبب التجارة فلم يتم ما ذكره في ذلك الوجه من أن مطلق الإقرار ينصرف إلى الإقرار بسبب التجارة فيصير كما إذا صرح به فتدبر ، وقد رام جماعة من الشراح بيان الفرق لأبي يوسف بين هذه المسألة والمسألة الأولى فقال صاحب الغاية : والفرق لأبي يوسف بين هذه المسألة حيث جوز الإقرار بالحمل وبين المسألة الأولى حيث لم يجز الإقرار للحمل إذا أبهم الإقرار أن هاهنا طريق التصحيح متعين وهو الوصية ، بخلاف الأولى فإن طريق التصحيح غير متعين لازدحام الميراث الوصية ، وإلى ذلك أشار محمد في الأصل لأبي يوسف قال : أرأيت لو ولدت غلاما وجارية كيف يقسم المال بينهما ؟ أثلاثا باعتبار الميراث ، أم نصفين باعتبار الوصية ؟ ففيه إشارة إلى أن جواز الإقرار متعذر لاحتماله وجهين إرثا ووصية انتهى .

وقال صاحب النهاية : قد ذكرنا آنفا أنه إذا كانت جهة الجواز متعذرة لا يحمل على الجواز لتزاحم جهات الجواز ولم تكن إحداهما في الحمل عليها بأولى من الأخرى ، وأما إذا تعينت جهة الجواز فيحمل عليها فيصح الإقرار به كما في هذه المسألة فإن مزاحمة الميراث الوصية في حق الحمل عليه غير صحيح ، لأن الوارث إذا كان له نصيب في الحمل كان له نصيب أيضا في الأم لشيوع حقه في جميع التركة .

وأما الوصية بحمل جارية أو بحمل شاة لا تكون وصية بالأم فتعينت الوصية جهة للجواز فيجوز ، وهذا هو الفرق لأبي يوسف في صحة إقراره مطلقا بحمل جارية لإنسان وعدم صحة إقراره مطلقا للحمل لما ذكرنا أن هناك لصحة إقراره مطلقا جهتين الميراث والوصية ، وليس إحداهما أولى من الأخرى فيبقى على البطلان انتهى . وهكذا ذكر الفرق صاحب الكفاية أيضا . أقول : مدار ما ذكروه من الفروق على حرفين : أحدهما أن تعدد جهة الجواز ينافي الحمل على الجواز . وثانيهما أن جهة الجواز في هذه المسألة منحصرة في الوصية ، وقد عرفت ما في كل واحد منهما بما ذكرناه في المقامين فيما مر آنفا .




الخدمات العلمية