الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة ) اعتبارا بطريق المنازعة ، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له بلا منازع واستوت منازعتهما [ ص: 276 ] في النصف الآخر فينصف بينهما ( وقالا : هي بينهما أثلاثا ) فاعتبرا طريق العول والمضاربة ، فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين وصاحب النصف بسهم واحد فتقسم أثلاثا ، [ ص: 277 ] ولهذه المسألة نظائر وأضداد لا يحتملها هذا المختصر وقد ذكرناها في الزيادات . قال ( ولو كانت في أيديهما سلم لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء ونصفها لا على وجه القضاء ) لأنه خارج في النصف فيقضي ببينته ، والنصف الذي في يديه صاحبه لا يدعيه لأن مدعاه النصف وهو في يده سالم له ، ولو لم ينصرف إليه دعواه كان ظالما بإمساكه ولا قضاء بدون الدعوى فيترك في يده .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعا والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة اعتبارا لطريق المنازعة ، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له بلا منازع واستوت منازعتهما [ ص: 276 ] في النصف الآخر فينصف بينهما ) فتجعل الدار على أربعة لحاجتنا إلى حساب له نصف ولنصفه نصف وأقله أربعة ، كذا في الكافي ( وقالا ) أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ( هي ) أي الدار ( بينهما ) أي بين المدعيين ( أثلاثا فاعتبرا طريق العول والمضاربة فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين ) أي يأخذ بحسب كل حقه سهمين .

وفي المغرب وقال الفقهاء : فلان يضرب فيه بالثلث : أي يأخذ منه شيئا بحكم ماله من الثلث

كذا في النهاية ومعراج الدراية ( وصاحب النصف بسهم واحد ) أي وصاحب النصف يضرب بكل حقه أيضا وهو سهم واحد إذ الدار تجعل سهمين لحاجتنا إلى عدد له نصف صحيح ، وأقله اثنان فيضرب صاحب الملك بذلك وصاحب النصف بسهم واحد ( فتقسم ) بينهما ( أثلاثا ) أي فتقسم الدار بين المدعيين أثلاثا ثلثاها لمدعي الجميع وثلثها لمدعي النصف .

واعلم أن أصل أبي حنيفة أن المدلي بسبب صحيح وهو ما يتعلق به الاستحقاق من غير انضمام معنى آخر إليه يضرب بجميع حقه ، كأصحاب العول والموصى له بالثلث فما دونه ، وغرماء الميت إذا ضاقت التركة عن ديونه ، والمدلي بسبب غير صحيح يضرب بقدر ما يصيبه حال المزاحمة كمسألتنا هذه ، والموصى له بأكثر من الثلث .

وأصل أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن قسمة العين متى وجبت بسبب حق كان في العين كانت القسمة على طريق العول كالتركة بين الورثة ، ومتى وجبت لا بسبب حق كان في العين فالقسمة على طريق المنازعة كالفضولي إذا باع عبد رجل بغير أمره وفضولي آخر باع نصفه وأجاز المولى البيعين فالقسمة بين المشتريين بطريق المنازعة ، أو باعا فعلى هذين الأصلين أمكن الاتفاق بين الأئمة الثلاثة على العول وعلى المنازعة وأمكن الافتراق ، فمما اتفقوا على العول فيه العول في التركة ، أما على أصله فلأن السبب لا يحتاج إلى ضم شيء ، وأما على أصلهما فلأنها وجبت بسبب حق في العين لأن حق الورثة يتعلق بعين التركة ، ومما اتفقوا عليه بطريق المنازعة بين الفضولي ، أما على أصله فلأنه ليس بسبب صحيح لاحتياجه إلى انضمام الإجازة إليه ، وأما على أصلهما فلأن حق كل واحد من المشتريين كان في الثمن تحول بالشراء إلى البيع .

ومما افترقوا فيه مسألتنا هذه ، فعلى أصله سبب استحقاق كل منهما هو الشهادة ، وهي تحتاج إلى اتصال القضاء بها كما تقدم فلم يكن سببا صحيحا فكانت القسمة على طريق المنازعة كما بين في الكتاب ، وعلى أصلهما حق كل واحد من المدعيين في العين ، بمعنى أن حق كل واحد منهما شائع فيها ، فما من جزء إلا وصاحب القليل يزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه ، فلهذا كانت القسمة فيه بطريق العول كما ذكر في الكتاب .

ثم اعلم أن أصلهما ينتقض بحق الغرماء في التركة ، فإن قسمة العين بينهم بسبب حق كان في الذمة لا في العين ، ومع ذلك كانت القسمة عولية [ ص: 277 ] كذا في المبسوط . قال المصنف ( ولهذه المسألة نظائر وأضداد ) أي للمسألة المذكورة أشباه حكم فيها أبو حنيفة بالمنازعة وصاحباه بالعول كما في هذه المسألة ، وأضداد حكم فيها أبو حنيفة بالعول وصاحباه بالمنازعة على عكس ما في هذه المسألة ( لا يحتملها ) أي النظائر والأضداد ( هذا المختصر ) يعني الهداية ( وقد ذكرناها في الزيادات ) فمن نظائرها : الموصى له بجميع المال وبنصفه عند إجازة الورثة ، والموصى له بعين مع الموصى له بنصف ذلك إذا لم يكن للميت مال سواه .

ومن أضدادها العبد المأذون له المشترك إذا ادانه أحد الموليين مائة درهم وأجنبي مائة درهم ثم بيع بمائة درهم، فالقسمة بين المولى المدين والأجنبي عند أبي حنيفة بطريق العول أثلاثا ، وعندهما بطريق المنازعة أرباعا ، وكذا المدبر إذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولى قيمته لهما ، كذا في الكافي والشروح ، فتذكر الأصلين المذكورين يسهل عليك استخراج هذه الصور ( قال ) أي القدوري في مختصره ( ولو كانت في أيديهما ) أي ولو كانت الدار في أيدي المدعيين والمسألة بحالها .

( سلم لصاحب الجميع ) أي لمدعي الجميع ( نصفها على وجه القضاء ) وهو الذي كان بيد الآخر ( ونصفها لا على وجه القضاء ) وهو الذي كان بيد نفسه ( لأنه خارج في النصف ) أي لأن صاحب الجميع وهو مدعي الجميع خارج في النصف الذي كان في يد مدعي النصف ( فيقضي ببينته ) أي فيقضي ببينة صاحب الجميع في حق ذلك النصف بناء على أن بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد فتم دليل قوله : نصفهما على وجه القضاء وبقي دليل قوله : ونصفها لا على وجه القضاء وهو قوله ( فالنصف الذي في يديه ) أي في يدي صاحب الجميع ( صاحبه لا يدعيه ) أي صاحب الجميع : أي خصمه وهو مدعي النصف لا يدعي ذلك النصف ( لأنه مدعاه ) أي مدعى صاحبه وهو مدعي النصف ( النصف وهو في يده سالم له ) توضيحه أن دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما في يده لتكون يده يدا محقة في حقه ; لأن حمل أمور المسلمين على الصحة واجب ، فمدعي النصف لا يدعي شيئا مما في يد صاحب الجميع لأن مدعاه النصف وهو في يده فسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة ، وكذا في الكافي ( ولو لم ينصرف إليه دعواه ) أي ولو لم ينصرف دعوى مدعي النصف إلى النصف الذي في يده ( كان ظالما بإمساكه ) أي كان مدعي النصف ظالما بإمساك ما في يده ، وقضية وجوب حمل أمر المسلم على الصحة قاضية بخلافه ( ولا قضاء بدون الدعوى فيترك في يده ) أي وإذا لم يدع مدعي [ ص: 278 ] النصف النصف الذي في يدي مدعي الجميع ، ولا قضاء بدون الدعوى فيترك ذلك النصف في يدي مدعي الجميع بلا قضاء فتم دليل قوله : ونصفها لا على وجه القضاء أيضا فيثبت المدعي بشقيه .

قال صاحب العناية : الأصل في هذه المسألة أن دعوى كل واحد من المدعيين تنصرف إلى ما في يده كي لا يكون في إمساكه ظالما حملا لأمور المسلمين على الصحة ، وأن بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد انتهى . أقول : فيه نظر ، وهو أن انصراف دعوى مدعي الجميع من المدعيين إلى ما في يده غير معقول لأنه إن جعل الذي في يده الكل لا يبقى للمقدمة القائلة : وأن بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد محل في هذه المسألة .

ولا يصح قول المصنف لأنه خارج في النصف ولا قول صاحب العناية في أثناء الشرح ومدعي الكل مدعى عليه النصف وهو خارج عن النصف ، وإن جعل الذي في يده النصف كما هو الظاهر الحق فلا معنى لانصراف دعواه إلى ما في يده لأنه يدعي الكل وهو ليس في يده . وأيضا لا يتم قوله كي لا يكون في إمساكه ظالما بالنسبة إليه لأن الإنسان لا يكون ظالما بإمساك حقه وإن كان في يد غيره ، ومدعي الكل يدعي أن جميع ما في أيديهما حقه ، فالحق أن الذي ينصرف دعواه إلى ما في يده إنما هو مدعي النصف منهما كما هو المذكور في الكافي وغيره ، وقد مر بنا في أثناء شرح كلام المصنف




الخدمات العلمية