الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو كان لكل واحد منهما عليه جذوع ثلاثة فهو بينهما ) لاستوائهما ولا معتبر بالأكثر منها بعد الثلاثة [ ص: 287 ] وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو لصاحب الثلاثة وللآخر موضع جذعه ) في رواية ، وفي رواية لكل واحد منهما ما تحت خشبته ، ثم قيل ما بين الخشب بينهما ، وقيل على قدر خشبهما ، والقياس أن يكون بينهما نصفين لأنه لا معتبر بالكثرة في نفس الحجة .

وجه الثاني [ ص: 288 ] أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته . ووجه الأول أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع دون الواحد والمثنى فكان الظاهر شاهدا لصاحب الكثير ، إلا أنه يبقى له حق الوضع لأن الظاهر ليس بحجة في استحقاق يده

التالي السابق


( ولو كان لكل واحد منهما جذوع ثلاثة ) أي ولو كان لكل واحد من المدعيين على الحائط جذوع ثلاثة ( فهو بينهما لاستوائهما ) أي في أصل العلة ، وهو أن يكون لكل واحد منهما عمل مقصود يبنى الحائط لأجله وفي نصاب الحجة وهو الثلاثة لأنها أقل الجمع ( ولا معتبر ) أي ولا اعتبار ( بالأكثر منها ) أي من الجذوع ( بعد الثلاثة ) لأن الزيادة من جنس الحجة فإن الحائط يبنى للجذوع الثلاثة كما يبنى لأكثر منها .

قال في معراج الدارية : وقوله : ولا معتبر بالأكثر منها : أي من الثلاثة . أقول : تفسيره ليس بسديد ; أما أولا فلأنه يقتضي أن يكون كلمة ( من ) في قوله منها تفصيلية فيلزم اجتماع لام التعريف ومن التفضيلية في اسم التفصيل وهو لا يجوز على ما عرف في موضعه .

وأما ثانيا فلأنه يستلزم أن يكون قوله بعد الثلاثة لغوا ، لأن ما هو أكثر من الثلاثة لا يكون إلا بعد الثلاثة ، فالصواب أن كلمة من هاهنا تبينية لا تفصيلية ، وأن ضمير منها راجع إلى الجذوع كما أشرنا إليه فيما مر آنفا إلى الثلاثة ، فيصير المعنى ولا اعتبار بالأكثر الكائن من جنس الجذوع بعد الثلاثة فلا يلزم [ ص: 287 ] شيء من المحذورين المذكورين ( وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو ) أي الحائط كله ( لصاحب الثلاثة وللآخر ) أي ولصاحب الجذع الواحد أو الاثنين ( موضع جذعه في رواية ) وهي رواية كتاب الإقرار من الأصل حيث قال فيه : الحائط كله لصاحب الأجذاع ولصاحب القليل ما تحت جذعه . قالوا : يريد به حق الوضع .

وقال في النهاية : ثم اعلم أن هذا فيما إذا ثبت ملكه بسبب العلامة وهي الجذوع الثلاثة لا بالبينة ، أما إذا ثبت بالبينة كان لصاحب الملك أن يمنع صاحب الجذع الواحد من وضع جذعه على جداره كذا في المبسوط وغيره انتهى ( وفي رواية ) وهي رواية كتاب الدعوى من الأصل ( لكل واحد منهما ما تحت خشبته ) حيث قال فيه : إن الحائط بينهما على قدر الأجذاع ، وجعل في المحيط ما ذكره في كتاب الإقرار أصح .

وقال قاضي خان : والصحيح أن ذلك الموضع يكون ملكا لصاحب الخشبة كما ذكر في الدعوى ، كذا في التبيين للإمام الزيلعي ( ثم قيل ) أي على هذه الرواية : يعنى اختلف المشايخ على رواية كتاب الدعوى في حكم ما بين الخشب فقيل ( ما بين الخشب بينهما ) أي يكون بين المدعيين نصفين لاستوائهما في ذلك كما في الساحة المشتركة بين صاحب بيت وصاحب أبيات على ما سيذكر ( وقيل على قدر خشبهما ) أي وقيل ما بين الخشب يكون على قدر خشبهما اعتبارا لما بين الخشبات بما هو تحت كل خشبة ، ثم إن هذين القولين موافقان لما ذكره في الذخيرة .

وقال في المبسوط في موضع القيل الأول : وأكثرهم على أنه يقضي به لصاحب الكثير ; لأن الحائط يبنى للخشبات لا لخشبة واحدة ( والقياس أن يكون بينهما نصفين ) هذا ناظر إلى قوله فهو لصاحب الثلاثة إلى آخره : يعني أن ذلك استحسانا . والقياس أن يكون الحائط بين صاحب الجذع والجذعين وبين صاحب الثلاثة نصفين ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله كما ذكر في الكافي وغيره ( لأنه لا معتبر ) أي لا اعتبار ( بالكثرة في نفس الحجة ) يعني أنهما استويا في أصل الاستعمال والزيادة من جنس الحجة والترجيح لا يقع بها كما تقدم ، ولكنهم استحسنوا على الروايتين المذكورتين ولم يجعلوا بينهما نصفين ، كذا في العناية وغيرها ( ووجه الثاني ) يعني وجه الرواية الثانية وهي قوله لكل واحد منهما ما تحت خشبته ، ولكن ذكر الثاني إما بتأويل المصدر الذي هو الرواية بالفعل وأن كما هو المشهور في نظائرها ، وإما [ ص: 288 ] بتأويل الرواية بالنقل أو القول ( أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته ) والاستحقاق بحسب الاستعمال . قال بعض الفضلاء : لم يظهر منه جواب وجه القياس .

أقول : يظهر ذلك بالتأمل فيه فإن المراد أن الاستعمال من كل واحد مختص بقدر خشبته ، وما تحت خشبته لا يعدو الغير فلم يكونا مستعملين بشيء واحد مع زيادة استعمال أحدهما بل كان كل واحد مستعملا لما كان تحت خشبته فقط فكانت حجة كل واحد قائمة على غير ما قامت عليه حجة الآخر فلم يكن الأمر من قبيل الترجيح بالكثرة في نفس الحجة ; لأن هذا فيما إذا اتحد محل الحجتين ، ويرشد إليه ما ذكره صاحب النهاية حيث قال : وأما وجه رواية كتاب الدعوى أن الحائط إذا كان يستحق بوضع الجذع فذلك الموضع الذي هو مستحق مشغول بجذعه في يده حقيقة باعتبار الاستعمال وقد انعدم دليل الاستعمال في الباقي فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق له في ذلك الموضع فصار هذا كالدار الواحدة إذا كان فيها أحد عشر منزلا : عشرة منها في يد رجل ، وواحد في يد رجل ، وتنازعا في الدار ، فإنه يقضي لكل واحد منهما بما في يده كذا هاهنا ا هـ

( ووجه الأول ) أي ووجه الرواية الأولى وهي قوله فهو لصاحب الثلاثة وتذكير الأول لمثل ما ذكرناه في الثاني ( أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع دون الواحد والمثنى ) بناء على أن الحائط يبنى للتسقيف ، والتسقيف لا يحصل بخشبة ولا بخشبتين وإنما يحصل بالخشبة والخشبتين أسطوانة وأسطوانتان ( فكان الظاهر شاهدا لصاحب الكثير ، إلا أنه يبقى له حق الوضع ) أي يبقى لصاحب الأقل حق وضع جذعه ( لأن الظاهر ليس بحجة في استحقاق يده ) يعني أن حكمنا بالحائط لصاحب الأكثر بالظاهر ، وهو يصلح حجة للدفع دون الاستحقاق فلا يستحق به صاحب الأكثر يد صاحب الأقل حتى يرفع خشبته الموضوعة ، ومن الجائز أن يكون أصل الحائط لرجل ويثبت للآخر حق الوضع ، فإن القسمة لو وقعت على هذا الوجه لكان جائزا . ثم اعلم أن ما اختاره المصنف من جعل الجذعين كجذع واحد وهو قول لبعض المشايخ باعتبار أن التسقيف بهما نادر كجذع واحد . وقال بعضهم : الخشبتان بمنزلة الثلاث لإمكان التسقيف بها ، وكذا في العناية وغيرها




الخدمات العلمية