الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن لحق بدار الحرب مرتدا ) لم يجز له التصرف إلا أن يعود مسلما قال : وهذا عند محمد ، فأما عند أبي يوسف لا تعود الوكالة . لمحمد أن الوكالة إطلاق لأنه [ ص: 147 ] رفع المانع . أما الوكيل يتصرف بمعان قائمة به وإنما عجز بعارض اللحاق لتباين الدارين ، فإذا زال العجز والإطلاق باق عاد وكيلا . ولأبي يوسف أنه إثبات ولاية التنفيذ ، لأن ولاية أصل التصرف بأهليته وولاية التنفيذ بالملك وباللحاق لحق بالأموات وبطلت الولاية فلا تعود كملكه في أم الولد والمدبر

التالي السابق


( وإن لحق ) أي الوكيل ( بدار الحرب مرتدا لم يجز له التصرف إلا أن يعود ) من دار الحرب إلى دار الإسلام ( مسلما ) هذا إذا حكم القاضي بلحاقه فإنه قال شيخ الإسلام في المبسوط : وإن لحق الوكيل بدار الحرب مرتدا فإنه لا يخرج عن الوكالة عندهم جميعا ما لم يقض القاضي بلحاقه وهكذا أشار إليه شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه حيث قال : ولو ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب انتقضت الوكالة لانقطاع العصمة بين من هو في دار الحرب وبين من هو في دار الإسلام ، وإذا قضى القاضي بلحاقه فقدر موته أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة انتهى .

كذا في النهاية وغيرها ( قال ) أي قال المصنف ( وهذا ) أي جواز التصرف للوكيل عند عوده مسلما ( عند محمد ، فأما عند أبي يوسف لا تعود الوكالة ) أي وإن عاد مسلما ( لمحمد أن الوكالة إطلاق ) أي إطلاق التصرف ( لأنه ) أي الوكالة [ ص: 147 ] بتأويل التوكيل أو العقد أو باعتبار الخبر ( رفع المانع ) فإن الوكيل كان ممنوعا شرعا عن أن يتصرف في شيء لموكله ، فإذا وكله رفع المانع ( أما الوكيل يتصرف بمعان قائمة به ) أي بالوكيل : يعني أن الوكيل لا يحدث فيه أهلية وولاية ، بل إنما يتصرف بمعان قائمة به وهي العقل والقصد إلى ذلك التصرف والذمة الصالحة له .

( وإنما عجز ) أي وإنما عجز الوكيل عن التصرف ( بعارض اللحاق لتباين الدارين ) يعني أن الإطلاق باق من جهة الموكل بعد عروض هذا العارض ، ولكن إنما عجز الوكيل عن التصرف بهذا العارض ( فإذا زال العجز والإطلاق باق عاد وكيلا ) وفي المبسوط : ومحمد يقول : صحت الوكالة لحق الموكل وحقه قائم بعد لحاق الوكيل بدار الحرب ، ولكنه عجز عن التصرف بعارض والعارض على شرف الزوال ، فإذا زال يصير كأن لم يكن فبقي الوكيل على وكالته فصار بمنزلة ما لو أغمي عليه زمانا ثم أفاق ( ولأبي يوسف أنه ) أي التوكيل ( إثبات ولاية التنفيذ ) أي تمليك ولاية تنفيذ التصرف في حق الموكل للوكيل لا إثبات ولاية أصل التصرف له ( لأن ولاية أصل التصرف ) ثابتة له ( بأهليته ) لجنس التصرف في حد ذاته ( وولاية التنفيذ بالملك ) أي وتمليك ولاية التنفيذ ملصق بالملك لأن التمليك بلا ملك غير متحقق فكان الوكيل مالكا للتنفيذ بالوكالة ( وباللحاق ) أي باللحاق بدار الحرب ( لحق ) أي الوكيل ( بالأموات ) فبطل الملك ( وبطلت الولاية ) أي إذا بطلت الولاية بطل التوكيل لئلا يلزم تخلف المعلول عن العلة ( فلا تعود ) أي الولاية : يعني إذا بطلت الولاية فلا تعود ( كملكه في أم الولد والمدبر ) فإنه إذا لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه تعتق أم ولده ومدبره ثم بعوده مسلما لا يعود ملكه فيهما ولا يرتفع العتق ، فكذلك الولاية التي بطلت لا تعود ، وأشار بقوله لحق بالأموات إلى أن وضع المسألة فيما إذا قضى القاضي بلحاقه .

وأما إذا لم يقض بذلك فلا يخرج الوكيل عن الوكالة عندهم جميعا كما ذكرنا من قبل : قال صاحب [ ص: 148 ] العناية : بقي الكلام في قوله : لأن ولاية أصل التصرف بأهليته فإنه بعيد التعلق عما استدل به عليه وهو قوله أنه إثبات ولاية التنفيذ إلا أن يتكلف فيقال : الوكيل له ولايتان : ولاية أصل التصرف ، وولاية التنفيذ ، والأولى ثابتة له قبل التوكيل وبعده ، والثانية لم تكن ثابتة قبله ، وإنما حدثت بعده ولم يتجدد عليه شيء سوى التوكيل فكانت ثابتة به انتهى .

أقول : إن قوله لأن ولاية أصل التصرف بأهليته ليس بدليل على منطوق قوله إنه إثبات ولاية التنفيذ حتى يتوهم أنه بعيد التعلق عما استدل به عليه ، بل هو دليل على مفهوم ذلك ، وهو لا إثبات ولاية أصل التصرف كما أشرنا إليه في شرح هذا المقام من قبل ، فالمعنى أن التوكيل إثبات ولاية التنفيذ للوكيل لا إثبات ولاية أصل التصرف له ، حتى يجوز أن تعود الوكالة بعود الوكيل مسلما كما قاله محمد ; لأن ولاية أصل التصرف ثابتة له بأهليته في حد ذاته ، فلا يتصور أن يثبتها الموكل له بالتوكيل ، وإن لم يسلم اعتبار مفهوم المخالفة في مثل ذلك فنقول : هو دليل على مقدمة مطوية مفهومة من الكلام بمعونة قرينة المقام وهي لا إثبات ولاية التصرف له فلا إشكال على كل حال




الخدمات العلمية