الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] ( وإن وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف ، فإن اشترى باقيه لزم الموكل ) ; لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن كان موروثا بين جماعة فيحتاج إلى شرائه شقصا شقصا ، فإذا اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تبين أنه وقع وسيلة فينفذ على الآمر ، وهذا بالاتفاق . والفرق لأبي حنيفة أن في الشراء تتحقق التهمة على ما مر . وآخر أن الأمر بالبيع يصادف ملكه فيصح فيعتبر فيه إطلاقه والأمر بالشراء صادف ملك الغير فلم يصح فلا يعتبر فيه التقييد والإطلاق .

التالي السابق


( وإن وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف ، فإن اشترى باقيه لزم الموكل ; لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن كان موروثا بين جماعة فيحتاج إلى شرائه شقصا شقصا ) الشقص : الجزء من الشيء والنصيب ، كذا في المغرب ( فإذا اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تبين أنه وقع ) أي شراء البعض ( وسيلة ) إلى الامتثال ( فينفذ على الآمر ) ; لأنه يصير كأنه اشتراه جملة . قال المصنف ( وهذا ) أي جواب هذه المسألة وهو كون الشراء موقوفا ( بالاتفاق ) بين أئمتنا الثلاثة . ثم اختلف أبو يوسف ومحمد في التوكيل بشراء عبد إذا اشترى نصفه ، فقال أبو يوسف : إن أعتقه الآمر جاز ، وإن أعتقه الوكيل لم يجز . وقال محمد : إن أعتقه الوكيل جاز ، وإن أعتقه الموكل لم يجز .

فأبو يوسف يقول إن العقد موقوف على إجازة الموكل ، ألا يرى أنه لو أجاز صريحا نفذ عليه والإعتاق إجازة منه فينفذ عليه ، ولا ينفذ إعتاق الوكيل ; لأن الوكالة تناولت محلا بعينه فلم يملك الوكيل شراءه لنفسه ولم يتوقف على إجازته فلم ينفذ إعتاقه . ومحمد يقول : إنه قد خالف فيما أمره به ، وإنما التوقف عليه من حيث إن الخلاف يتوهم رفعه بأن يشتري الباقي فيرتفع الخلاف ، وقبل أن يشتريه بقي مخالفا فإذا أعتقه الآمر لم يجز .

كذا في النهاية والكفاية نقلا عن الإيضاح ( والفرق لأبي حنيفة ) أي بين البيع والشراء ( أن في الشراء تتحقق التهمة على ما مر ) إشارة إلى قوله ; لأن التهمة فيه متحققة فلعله اشتراه لنفسه إلخ : يعني أن التهمة متحققة في الشراء دون البيع فافترقا من هذه الحيثية ( وآخر ) أي وفرق آخر لأبي حنيفة بين البيع والشراء ( أن الأمر بالبيع ) في صورة التوكيل بالبيع ( يصادف ملكه ) أي ملك الآمر ( فيصح ) أي الأمر بالبيع لولاية الآمر على ملكه ( فيعتبر فيه إطلاقه ) أي إطلاق الأمر ( والأمر بالشراء ) في صورة التوكيل بالشراء ( صادف ملك الغير ) وهو ملك البائع ( فلم يصح ) أي الأمر بالشراء ( فلم يعتبر فيه التقييد والإطلاق ) أي تقييد الأمر وإطلاقه فيعتبر فيه المتعارف ، والمتعارف فيه أن يشتري [ ص: 87 ] العبد جملة كذا في العناية ، وهو الذي يساعده ظاهر لفظ المصنف .

قال صاحب العناية بعدما اكتفى بهذا القدر من الشرح : ولقائل أن يقول : هذا التعليل يقتضي أن لا يصح التوكيل بالشراء ; لأن التوكيل بالشراء أمر بالشراء ، وقد قال الأمر بالشراء صادف ملك الغير فلم يصح . والجواب أن القياس يقتضي ذلك ولكنه صح بحديث حكيم بن حزام ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكله بشراء الأضحية ، وإذا صح فلا بد له من محل فجعلناه الثمن الذي في ذمة الموكل لكونه ملكه وصرفناه إلى المتعارف عملا بالدلائل بقدر الإمكان ، ولو عملنا بإطلاقه كان ذلك إبطالا للقياس والعرف من كل وجه ، والإعمال ولو بوجه أولى ، إلى هنا كلامه . أقول : في الجواب شيء ، وهو أن حاصله أنا لم نعمل بالإطلاق في صورة التوكيل بالشراء لئلا يبطل العمل بالعرف مع كونه من الدلائل ، فيتجه عليه أن مقتضى هذا أن لا يعمل بالإطلاق في صورة التوكيل بالبيع أيضا لئلا يبطل العمل بالعرف كذلك . فإن قلت : لم يعمل بالقياس في صورة الشراء ، فلو لم يعمل بالعرف أيضا لزم إبطال الدليلين معا ، بخلاف صورة البيع حيث عمل فيها بالقياس بناء على أن الأمر فيها صادف ملك الآمر . قلت : لا تأثير لهذا الفرق هاهنا ; لأنا إنما تركنا القياس في صورة الشراء بالنص وهو أقوى من القياس فبقي الكلام في العرف ، فلو جاز تقييد الإطلاق به في صورة الشراء بناء على وجوب العمل بالدلائل بقدر الإمكان لجاز تقييده به في صورة البيع أيضا بناء على ذلك .

وقال صاحب غاية البيان في شرح الفرق الثاني : إن الأمر في صورة التوكيل بالبيع صادف ملك الآمر فصح أمره لولايته على ملكه فاعتبر إطلاق الأمر فجاز بيع النصف ; لأن الأمر وقع مطلقا عن الجمع والتفريق . وأما الأمر في صورة التوكيل بالشراء فصادف ملك الغير وهو مال البائع فلم يصح الأمر مقصودا ; لأنه لا ملك للآمر في مال الغير ، وإنما صح لضرورة الحاجة إليه ، ولا عموم لما ثبت ضرورة فلم يعتبر إطلاقه فلم يجز شراء البعض ; لأن الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة ، وذلك يتأدى بالمتعارف وهو شراء الكل لا البعض ; لأن الغرض المطلوب من الكل لا يحصل بشراء البعض إلا إذا اشترى الباقي قبل أن يختصما فيجوز على الآمر ; لأنه حصل مقصوده انتهى .

أقول : هذا القدر من البيان وإن كان غير مفهوم من ظاهر لفظ المصنف إلا أنه حينئذ لا يتوجه السؤال الذي ذكره صاحب العناية ولا يحتاج إلى ما ارتكبه في جوابه كما لا يخفى على المتأمل




الخدمات العلمية