الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 54 ] ( ومن قال لآخر بعني هذا العبد لفلان فباعه ثم أنكر أن يكون فلان أمره ثم جاء فلان وقال أنا أمرته بذلك فإن فلانا يأخذه ) ; لأن قوله السابق إقرار منه بالوكالة عنه فلا ينفعه الإنكار اللاحق . [ ص: 55 ] ( فإن قال فلان لم آمره لم يكن له ) ; لأن الإقرار يرتد برده ( إلا أن يسلمه المشترى له فيكون بيعا عنه وعليه العهدة ) ; لأنه صار مشتريا بالتعاطي ، كمن اشترى لغيره بغير أمره حتى لزمه ثم سلمه المشترى له ، ودلت المسألة على أن التسليم على وجه البيع يكفي للتعاطي وإن لم يوجد نقد الثمن ، وهو يتحقق في النفيس والخسيس لاستتمام التراضي وهو المعتبر في الباب .

التالي السابق


( ومن قال لآخر : بعني هذا العبد لفلان ) أي لأجل فلان ( فباعه ثم أنكر ) أي المشتري ( أن يكون فلان أمره ثم جاء فلان وقال أنا أمرته بذلك فإن فلانا يأخذه ) يعني أن لفلان ولاية أخذه من المشتري ، وهذه المسألة من مسائل الجامع الصغير .

قال المصنف في تعليلها ( لأن قوله السابق ) أي قول المشتري السابق وهو قوله لفلان ( إقرار منه بالوكالة عنه فلا ينفعه الإنكار اللاحق ) ; لأن [ ص: 55 ] الإقرار بالشيء لا يبطل بالإنكار اللاحق . فإن قيل : قوله لفلان ليس بنص في الوكالة بل يحتمل أن يكون معناه لشفاعة فلان كما قال محمد في كتاب الشفعة : أو أن أجنبيا طلب من الشفيع تسليم الشفعة فقال الشفيع سلمتها لك بطلت الشفعة استحسانا كأنه قال سلمت هذه الشفعة لأجلك . قلنا : اللام للتمليك والاحتمال المذكور خلاف الظاهر لا يصار إليه بلا قرينة ، وسؤال التسليم من الأجنبي قرينة في مسألة الشفعة ، ولهذا لو قال الشفيع ذلك بغير سبق سؤال التسليم لا يصح التسليم وليست القرينة بموجودة فيما نحن فيه .

كذا في الفوائد الظهيرية وذكر في الشروح ( فإن قال فلان لم آمره بذلك ) ثم بدا له أن يأخذه ( لم يكن له ) أي لم يكن له على العبد سبيل ( لأن الإقرار ) أي إقرار المشتري ( ارتد برده ) أي برد فلان ، فإذا عاد إلى تصديقه بعد ذلك لم ينفعه ; لأنه عاد حين انتفى الإقرار فلم يصح تصديقه ( إلا أن يسلمه المشتري له ) روي لفظ المشتري بروايتين بكسر الراء وفتحها فعلى الكسر يكون المشتري فاعلا ، وقوله له : أي لأجله ويكون المفعول الثاني محذوفا وهو إليه ، فالمعنى : إلا أن يسلم الفضولي العبد الذي اشتراه لأجل فلان إليه . وعلى الفتح يكون المشترى له مفعولا ثانيا بدون حرف الجر وهو فلان ، ويكون الفاعل مضمرا يعود إلى المشتري ، فالمعنى : إلا أن يسلم الفضولي العبد إلى المشترى له وهو فلان . ثم إن هذا الاستثناء من قوله لم يكن له : أي لم يكن لفلان إلا في صورة التسليم إليه ، وإنما ذكر صورة التسليم إليه ; لأن فلانا لو قال أجزت بعد قوله لم آمره به لم يعتبر ذلك ، بل يكون العبد للمشتري ; لأن الإجازة تلحق الموقوف دون الجائز ، وهذا عقد جائز نافذ على المشتري .

كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح الجامع الصغير ( فيكون بيعا عنه ) أي فيكون تسليم العبد بيعا مبتدأ ( وعليه العهدة ) أي وعلى فلان عهدة الأخذ بتسليم الثمن ، كذا فسر شيخ الإسلام البزدوي وفخر الدين قاضي خان ، ويدل عليه قوله ( لأنه صار مشتريا بالتعاطي ) كما لا يخفى ( كمن اشترى لغيره ) أي كالفضولي الذي اشترى لغيره ( بغير أمره حتى لزمه ) أي لزم العقد المشتري ( ثم سلمه المشترى له ) حيث كان بيعا بالتعاطي . قال فخر الإسلام وغيره في شروح الجامع الصغير : وثبت بهذا أن بيع التعاطي كما يكون بأخذ وإعطاء فقد ينعقد بالتسليم على جهة البيع والتمليك ، وإن كان أخذا بلا إعطاء لعادة الناس وثبت به أن النفيس من الأموال والخسيس في بيع التعاطي سواء .

وأشار المصنف إلى ما قاله هؤلاء الشراح بقوله ( ودلت المسألة ) أي دلت هذه المسألة ( على أن التسليم على وجه البيع يكفي للتعاطي وإن لم يوجد نقد الثمن وهو ) أي البيع بالتعاطي ( يتحقق في النفيس والخسيس ) أي نفيس الأموال وخسيسها ( لاستتمام التراضي ) أي لاستتمام التراضي في كل واحد منهما ( وهو المعتبر في الباب ) أي التراضي [ ص: 56 ] هو المعتبر في باب البيع لقوله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض } فلما وجد التراضي في النفيس والخسيس انعقد البيع بالتعاطي فيهما خلافا لما يقوله الكرخي إن البيع بالتعاطي لا ينعقد إلا في الأشياء الخسيسة ، وقد مر ذلك في أول كتاب البيوع




الخدمات العلمية