الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد ) قال : وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وعلى قول محمد يقضي بالبينتين ويكون للخارج لأن العمل بهما ممكن فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع الدار لأن القبض دلالة السبق على ما مر ، [ ص: 273 ] ولا يعكس الأمر لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده . ولهما أن الإقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع فصار كأنهما قامتا على الإقرارين وفيه التهاتر بالإجماع ، كذا هاهنا ، ولأن السبب يراد لحكمه وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا يفيده .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره : ( وإن أقام كل واحد منهما ) أي من الخارج وذي اليد ( البينة على الشراء من الآخر ) أي أقام الخارج البينة على أنه اشترى هذه الدار مثلا من ذي اليد وأقامها ذو اليد على أنه اشتراها من الخارج ( ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد ) بغير قضاء ( قال ) أي المصنف ( وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وعلى قول محمد يقضي بالبينتين وتكون )

أي وتكون الدار ( للخارج لأن العمل بهما ) أي بالبينتين ( ممكن فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع ) أي ثم باع ذو اليد من الخارج ( ولم يقبض ) الخارج ( لأن القبض دلالة السبق ) أي لأن قبض ذي اليد دليل سبقه في الشراء ( كما مر ) إشارة إلى قوله وإن لم يذكرا تاريخا ومع [ ص: 273 ] أحدهما قبض فهو أولى لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه انتهى ( ولا يعكس الأمر ) أي لا يجعل كأن الخارج اشتراها من ذي اليد أولا ثم باعها إياه ( لأن البيع قبل القبض لا يجوز ) يعني أن العكس يستلزم البيع قبل القبض وذلك لا يجوز ( وإن كان ) أي وإن كان البيع ( في العقار عنده ) أي عند محمد رحمه الله ( ولهما ) أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ( أن الإقدام على الشراء إقرار منه ) أي من المشتري ( بالملك للبائع فصار ) أي فصار أمر هذه المسألة ( كأنهما ) أي البينتين ( قامتا على الإقرارين ) أي على الإقرارين من الطرفين ( وفيه التهاتر بالإجماع فكذا هنا ) أي فيما نحن فيه ( ولأن السبب يراد لحكمه وهو الملك ) ، هذا دليل آخر متضمن للجواب عما .

قاله محمد أن العمل بالبينتين ممكن : يعني أن السبب لا يراد لنفسه وإنما يراد لحكمه ، فإذا كان مفيدا لحكمه كان معتبرا وإلا فلا لكونه غير مقصود بالذات ( وهاهنا لا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق ) أي للخارج ; لأنا إذا قضينا ببينة ذي اليد فإنما نقضي ليزول ملكه إلى الخارج فلم يكن السبب الذي هو البينة هاهنا مفيدا لحكمه بالنسبة إليه ( فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا يفيده ) فلم يكن معتبرا فلم يمكن العمل بالبينتين .

أقول : لمطالب أن يطالب بالفرق بين مسألتنا هذه على قولهما وبين ما إذا أقام كل واحد ; من الخارج وذي اليد البينة على النتاج ولا تاريخ معهما حيث لم تتهاتر البينتان هناك عند أئمتنا الثلاثة على ما هو الصحيح ، بل قضى ببينة ذي اليد له بناء على أن البينتين استوتا في الإثبات وترجحت بينة ذي اليد باليد كما مر وتهاترتا هاهنا عندهما مع الاشتراك في العلة المذكورة هناك ، فتأمل في الفرق




الخدمات العلمية