الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 197 ] قال ( ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام ، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام ) { لقوله عليه الصلاة والسلام لابن صوريا الأعور أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا في كتابكم هذا } ولأن اليهودي يعتقد نبوة موسى والنصراني نبوة عيسى عليهما السلام فيغلظ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه ( و ) يستحلف ( المجوسي بالله الذي خلق النار ) وهكذا ذكر محمد رحمه الله في الأصل . يروى عن أبي حنيفة رحمه الله في النوادر أنه لا يستحلف أحدا إلا بالله خالصا . وذكر الخصاف رحمه الله أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله ، وهو اختيار بعض مشايخنا لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيما وما ينبغي أن تعظم ، بخلاف الكتابين لأن كتب الله معظمة ( والوثني لا يحلف إلا بالله ) لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى ، قال الله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } قال ( ولا يحلفون في بيوت عبادتهم ) لأن القاضي لا يحضرها [ ص: 198 ] بل هو ممنوع عن ذلك . .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى لقوله ) أي لقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم لابن صوريا الأعور ) وفي المغرب : ابن صوريا بالقصر اسم أعجمي { أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا في كتابكم هذا } أي التحميم ، هذا الحديث أخرجه مسلم في الحدود مسندا إلى البراء بن عازب رضي الله عنه قال { مر النبي عليه الصلاة والسلام بيهودي محمم ، فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم ؟ قالوا : نعم ، فدعا رجلا فقال : نشدتك الله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم ؟ فقال : اللهم لا ، فلولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، حد الزنا في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا : تعالوا فنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد وتركنا الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ، فأمر به فرجم } وقال شراحه : وهذا الرجل هو عبد الله بن صوريا ، وقد صرح باسمه في سنن أبي داود عن سعيد عن قتادة عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يعني لابن صوريا ، الحديث .

وهذا مرسل ( ولأن اليهودي يعتقد نبوة موسى والنصراني نبوة عيسى ) أي يعتقد نبوة عيسى عليه السلام ( فيغلظ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه ) ليكون رادعا له عن الإقدام على اليمين الكاذبة ( ويحلف المجوسي بالله الذي خلق النار ، هكذا ذكر محمد في الأصل ) وذلك لأن المجوسي يعتقد الحرمة في النار فيمتنع عن اليمين الكاذبة فيحصل المقصود ( ويروى عن أبي حنيفة أنه لا يستحلف أحدا إلا بالله خالصا ) تفاديا عن تشريك الغير معه في التعظيم ( وذكر الخصاف أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله وهو اختيار بعض مشايخنا ، لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها وما ينبغي أن تعظم ) لأن النار كغيرها من المخلوقات ، فكما لا يستحلف المسلم بالله الذي خلق الشمس ، فكذلك لا يستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار .

وفي المبسوط : وكأنه وقع عند محمد أنهم يعظمون النار تعظيم العبادة ، فلمقصود النكول قال : تذكر النار في اليمين انتهى ( بخلاف الكتابين ) أي التوراة والإنجيل ( لأن كتب الله معظمة ) فجاز أن تذكر مع اسم الله تعالى ( والوثني لا يحلف إلا بالله ، لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى ، قال الله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) لا يقال : لو كانوا يعتقدون الله تعالى لم يعبدوا الأوثان . لأنا نقول : إنما يعبدونها تقربا إلى الله تعالى على زعمهم ; ألا يرى إلى قوله تعالى حكاية عنهم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وإذا ثبت أنهم يعتقدون الله تعالى يمتنعون على الإقدام على اليمين الكاذبة بالله تعالى فتحصل الفائدة المطلوبة من اليمين وهي النكول ( قال ) أي القدوري في مختصره : ( ولا يحلفون في بيوت عبادتهم لأن القاضي لا يحضرها ) أي لا يحضر بيوت عبادتهم للحرج [ ص: 198 ] بل هو ممنوع عن ذلك ) لأن فيه تعظيم ذلك المكان ، والحلف يقع بالله تعالى لا بالمكان ، ففي أي مكان حلفه جاز .

وفي الأجناس قال في المأخوذ للحسن : وإن سأل المدعي القاضي أن يبعث به إلى بيعة أو كنيسة فيحلفه هناك فلا بأس أن يفعله إذا اتهمه ، كذا في غاية البيان .




الخدمات العلمية