الوجه العاشر: أن يقال: بل التقرب إلى الله بالسجود حق، كما دلت عليه النصوص؛ مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" فأخبر أن العبد [يقرب] من ربه وأنه أقرب ما يكون العبد في سجوده.
وقال في الحديث الآخر: فهذا قرب الرب من عبده، وذاك قرب العبد من ربه. وقوله تعالى: "أقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل الآخر". واسجد واقترب [العلق: 19] [ ص: 51 ] يدل على ذلك؛ لأن قوله: واسجد واقترب (19) ذكر بعد قوله: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق (2) إلى قوله: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى (10) إلى قوله: كلا لا تطعه واسجد واقترب [العلق: 19].
ومعلوم أنه ذكر الصلاة لله وأمر بالسجود [لله] فقوله: واقترب [العلق: 19] –أيضا- أمر بالاقتراب إلى الله، وحذف مثل هذا المفعول للاختصار كثير في كلام العرب، لدلالة الكلام ودلالة الحال عليه. فإنه إذا كان قد أمره أن يقرأ باسم ربه الذي خلق [فلأن] يكون السجود له والاقتراب إليه أولى وأحرى، وأمره بالاقتراب مطلق لا يتقيد بالسجود، بل يكون الاقتراب بالسجود وبغير السجود، وإن كان العبد أقرب ما يكون من ربه إذا كان ساجدا.
ففي صحيح عن البخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 52 ] قال: أبي هريرة، "يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه".
[ ص: 53 ] وفي الصحيحين عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة "يقول الله: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".